د.عزازى على عزازى

تحية للمرشد العام السابق

الثلاثاء، 26 يناير 2010 07:36 م


فى أول ظهور عام لفضيلة المرشد السابق لجماعة الإخوان المسلمين الأستاذ مهدى عاكف، رأيته منذ يومين يحضر ندوة أدبية فى صالون إحسان عبد القدوس بنقابة الصحفيين، كنت أتابعه بين الحين والحين، أدقق النظر فى ملامح وجهه، فأدهشنى حجم تفاعله مع كلمات الحضور والجالسين من حوله، وظل الرجل من أول الأمسية حتى آخرها التى استغرقت أكثر من ساعتين، استمع خلالها باهتمام لكلمات المتحدثين من الأدباء والصحفيين والسياسيين وأساتذة التاريخ، وشاهد الفيلم التسجيلى عن إحسان، وتابع تكريم وزير الثقافة فاروق حسنى للفائزين، ثم خرج خفيفا منشرحا يلوح بيديه كالمصارع دون زحام أو مرافقين و(بودى جاردات)، وحينما سلمت عليه ابتسم لى كما يفعل الصديق مع صديقه، فقلت له معجبا: ما أحلى التداول يا فضيلة المرشد عقبال اللى بالى بالك، فضحك الرجل ولم يعقب.

حينما تأملت هذا المشهد الطبيعى والإنسانى البسيط للمرشد السابق عرفت لماذا نعجب دائما بالذين امتلكوا الرغبة والقدرة على التخلى عن مواقعهم، رغم الضغوط التى تمارس عليهم ليستمروا لآخر العمر.

وهو ليس تخليا عن المسئولية لكنه انسحاب من الوظيفة، ونحن فى مصر لا نرى ذلك إلا على سبيل الاستثناء، لذلك تصيبنا الفتنة بتلك النماذج القليلة التى ترحل عندما تنتهى مدتها أو يقل حجم عطائها، فتترك الكرسى، تلك الأريكة الأثيرة التى تحول الجالسين عليها إلى أشباه آلهة وطواويس تزهو بريشها المصطنع، وعندما تطول مدة التصاق المسئول بمقعده يتنامى دور بطانة السوء المستفيدة من مصالح السلطة، ويترعرع الفساد وتتعاظم مكانة سدنة القوانين الذين يفصلون الدساتير أو اللوائح الداخلية ليستمر المسئول حتى آخر نفس، ويدخل التغيير الذى هو سنة الحياة إلى مقبرة المستقبل غير المرئى.

لن نستعرض نماذج من خارج البيئة المصرية كالفارس الأفريقى نلسون مانديلا أو الرئيس السودانى سوار الذهب، ولا النماذج العبقرية فى آسيا وأفريقيا وأوروبا، لكن دعونا نتأمل أكثر، مشهد المرشد السابق بعد أن تخفف من أعباء سلطته كمرجع عام للجماعة، لقد تحول الكهل بين عشية وضحاها إلى شاب يتفجر بالحيوية، وقد اكتسى هيبة جديدة تنتمى لسمت المتخلين عن الاستمرار فى ممارسة السلطة والزاهدين فى امتيازات الموقع، وقد ظل الرجل يحارب باستماتة كل محاولات إكراهه على الاستمرار، وهو وضع استثنائى لأننا اعتدنا أن يحارب المسئول معركة بقائه لا أن يحارب معركة تخليه، لذلك بدأ الشيخ شخصا سويا طبيعيا مستمتعا بالحياة وبطيبات الرزق، فاستعاد صفاء ملامحه، وأعتقد أنه صار أكثر نفعا للجماعة فى وضعه الجديد، ومصدر ثقة لا تشوبها شوائب الطامعين فى السلطان، وكذلك أصبح الرجل مصدر الهام لمن جاء بعده بعد أن أعطى المصداقية لشعار التغيير وأنقذ نفسه من فتنة الالتصاق بالمقعد، تلك الفتنة التى كادت تفتك بالأخضر واليابس على أرض مصر.

فالتحية لمرشد التغيير من كاتب يختلف على القناعات لا على الأشخاص، وإن كنت قد انتقدته مرشدا، فالآن أحنى له هامتى نموذجا للمسئول المسئول.


أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة