سألت ابنى الأكبر عن معنى شىء تقنى فى برنامج على الكمبيوتر أجابنى بكل توأدة وهدوء "اسالى صديقك الحبيب" فرفعت نظارتى وسألت باندهاش "ومن هو صديقى الحبيب هذا" أجابنى بثقة الشباب وثورتهم صديق كل إنسان وحبيبه "الإنترنت".
أدرت وجهى نحو "اللاب توب" وأنا أردد نعم نعم عندك حق فكل شئ أريد معرفته أستطع البحث على صفحاته وأغوص فى عالم العلم والمعرفة والمعلومات والخيال من كل الفنون والعلوم والإعلام والقصص والخيال وحتى الاثار الجانبية لبعض الأدوية.
فعندما اختُرع التليفزيون أصابت الناس فى العالم الدهشة والفضول القهرى بالفرجة ومن هذا الصندوق السحرى على العالم كله وحكاياته بشخوصه وقصصه المثيرة هذه التى تشبهنا وتلك التى لا تشبهنا والتى كسرت حاجز الصمت والسكون من حولنا ورمت بحجر كبير وقوى فى كل المياه الراكدة وعملت على خلق دبيب الحركة والإثارة فى نفوس ونفوس.
ولا ينسى كل منا مطلقاً هذا الشعور عندما ذهب لأول مرة للسينما فقد انتابه شعور خيالى هائم يريد معه الإنسان أن لا تنتهى الحدوتة ويظل فى السينما إلى نهاية عمره ومهما كان وقع هذه الأفلام مملة وسطحية فكان يكفى فقط هذا الشعور، شعور الفرجة ذاته على قصص بشر آخرين وفى شاشات عملاقة فى مدن عملاقة وأصوات عملاقة وأنت القزم الوحيد فى هذا العالم العملاق المثير.
من هذا المنطلق كان هناك الانبهار والدهشة والعالم السحرى الخيالى الممزوج بالحقيقة هم الأسس لعلم وفن وصناعة السينما فمن حيث التأثير، يختلف التليفزيون عن السينما، ففى السينما يتأثر المتفرج تأثرًا كبيراً بالصورة المرئية المُكَبَّرة والتى تملأ قاعة العرض التى يتم تظليمها، فالصورة المرئية المبهرة فى الفيلم السينمائى تثير حب الاستطلاع والفضول لدى المتفرج بعكس ما تثيره صورة التليفزيون من ألفة، فشاشة التليفزيون المعتادة والتى تتواجد فى المنزل لا تثير نفس الفضول عند المتفرج ،فالإضاءة المعتادة للبيت ليس لها أثر كبير على تركيز المتفرج وتأثره بما هو معروض، والأجواء المحيطة والصحبة والتحادث والتعليق على العروض ، بعكس حالة السكون والصمت المفروضة فى دار السينما.
ويصاحبك عبر اندهاشك من عالم التليفزيون والسينما "الونيس الرفيق" المصاحب لك فى كل مكان ليل نهار وبأصغر الأجهزة تستطيع الاستمتاع به وهو "الراديو" الإذاعة ذلك الفارس الذى صال وجال فى منازلنا إلى أن أصبح الراديو هو سجل لكل ذكريات أيامنا وأعمارنا بتلك البرامج وذاك المسلسل وهؤلاء الأصوات المميزة والمحفورة فى اَذاننا ومسامعنا واستقينا وتعلمنا منهم الكثير والكثير وكان عنوان وتأريخ لعقود طويلة تتسم بالثقافة والمعرفة والانتماء وتحديد الهوية العربية ليس لمصر فقط بل لكل الأمة العربية جمعاء.
هل يتصور أى منا ماذا كانت ستكون حياته بدون وسائل الإعلام الأهم والأكثر شعبية وجماهيرية سينما إذاعة تليفزيون؟! ومن السينما إلى الإذاعة ومن ثم التليفزيون تأتى الشبكة العنكبوتية العملاقة بكل خيوطها الرقيقة والضعيفة جداً لتحدث الثورة التقنية القوية جداً والتى ليس لها نظير فى عالم الاتصالات المعرفية والعلم والمتعة الفكرية الفردية والجماعية.
ومع أن الباحث فى أسباب إيجاد شبكة "الإنترنت" يجد أنه كان سبب سياسى خاص وبحت وفردى جدا ولم يكن يتصور أصحابه فى أحسن الخيالات هذا المدى والتأثير العملاق لهذه الخيوط الرقيقة التى فرضتها الحاجة الملحة والضرورة فى إسترتيجة حرب ولا أكثر"ففى أوائل الستينات افترضت وزاره الدفاع الأمريكية وقوع كارثة نووية ووضعت التصورات لما قد ينتج عن تأثير تلك الكارثة على الفعاليات المختلفة للجيش ، وخاصة فعاليات مجال الاتصالات الذى هو القاسم المشترك الأساسى الموجه والمحرك لكل الأعمال".
فكلفت الوزارة مجموعه من الباحثين لدراسة مهمة إيجاد شبكه اتصالات تستطيع أن تستمر فى الوجود حتى فى حاله هجوم نووى ، وللتأكد بأن الاتصالات الحربية يمكن استمرارها فى حاله حدوث أى حرب،وأتت الفكرة وكانت غاية فى الجرأة والبساطة، وهو أن يتم تكوين شبكه إتصالات والتى ليس لها مركز تحكم رئيسى ، فإذا ما دمرت أحدها أو حتى دمرت مائه من أطرافها فان على هذا النظام أن يستمر فى العمل والتواصل .
فهذه الشبكة العنكبوتية بكل ما تعنيه الكلمة من خيوط رقيقة تبدو ضعيفة ولكنها وضعت البشرية فى أقوى درجة من إحداث التغيير والإبداع والحركة من منا لا يدين للشبكة العبقرية بعلم أو معرفة أوعمل أو انطلاق فى عالم رحب من الإنسانية الحقيقية ورحابة الفكر فقد فعلت بنا وبقضاينا خاصة (العوالم اللاديمقراطية) مالم تفعله بلاد وجيوش وحضارات من إتصال يحيط بالعالم من كل حدب وصوب ومن ثورة معلوماتية سياسية واجتماعية اقتصادية وتجارية خلاقة وثابة طموحة سريعة وجريئة إلى أقصى مدى.
إن شبكة الانترنت هى القفزة الهائلة للحضارة والتقدم الضخم والتى توازى فى أهميتها اختراع الطباعة أو الهاتف فى قدرتها الفائقة على وصل الأفراد والمجموعات ببعضهم البعض وعلى مستوى العالم أجمع وليس ذلك فقط بل والأهم إن الإنترنت ومعه الفضائيات أزاحوا الغمام والغيوم والظلمات التى عاشتها شعوب وشعوب بعد حجر دام قرون من مصادرة للعقل،وللفكر,وتشويه صورة الآخر هذا الآخر الذى يخالفنا الثقافة ،الجنس، اللون اللغة ،والدين. فالثورة التى أحدثتها شبكة الإنترنت هى ثورة عالمية تضاهى الثورة الصناعية، وما نراه الآن من استخدام للإنترنت فى مختلف مناحى الحياة ما هو إلا قمة الجبل الجيلدى الغائر فى أعماق المحيط ، بل وأعظم ما تمثله تلك الثورة هى ما أحدثته فينا وفى كل فرد منا على حده من انطلاقات فردية نافذة وعابرة لكل الحواجز النفسية والمادية بسهولة خارقة للعادة فالإنترنت، هو بيت فى الفضاء، مسموح لكل راغب، فى بناء حجرته الخاصة ضمن هذا البيت ، شرط أن يكون هذا البناء بأكمله من زجاج شفاف يطلع عليه من يرغب فى أى وقت يريد،فأنا وغيرى الكثيرون وجدنا فى الإنترنت عالمنا السحرى الممزوج بالحقيقة فى ظلمات عوالم من اليأس والإحباط ومن إحداث أى تغيير قوى فعلى ملموس وحقيقى وهناك أيضاً الكثيرين من المهتمين بالتقنية المعلوماتية وجدوا فى الإنترنت سلوى لهم ووسيلة اتصال وتواصل لا نظير لها، بالغة السرعة والدقة، عالية الجودة والكفاءة، وسهلة المنال،إنها الثورة بكل فورانها وقوتها الهائلة على التغيير وعدم القدرة لأى من مريديها أو أعدائها على كبح جماحها.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة