سلامة حربى

البحث العلمى (سمك– لبن- تمر هندى)

الإثنين، 25 يناير 2010 08:24 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
احتفلت مصر الخميس الماضى بعيد العلم وقام الرئيس مبارك بتكريم العلماء الحاصلين على جوائز مبارك والدولة التقديرية، وهذا تقليد جميل ورائع ولكن تبادر إلى ذهنى سؤال، هل هناك بحث علمى فى مصر وكما هو متعارف عليه فى كافة دول العالم المتقدم أم أن البحث العلمى فى مصر مازال محلك سر وطالته يد الإهمال والفوضى فى ظل مناخ عام شعاره الكوسة والقرع والباذنجان والمحسوبية والمنافسة غير الشريفة والضرب تحت الحزام والاعتماد على أهل الثقة وليذهب أهل الخبرة والكفاءة إلى أسفل سافلين.

وبنظرة موضوعية لواقع البحث العلمى فى مصر نجد أننا نسير بخطى السلحفاة ليس إلى الأمام كدول النمور الأسيوية وتايوان وتايلاند وأندونسيا ولكننا نسير إلى الخلف، لأن معدل المعرفة فى هذه الدول ودول العالم المتقدم يتزايد ويتضاعف بشكل أسرع ربما عشرات المرات من معدل المعرفة لدينا، وبالتالى نجد أن هذه الدول تسير بخطى الصاروخ إلى الأمام ونحن نسير بخطى الصاروخ إلى التخلف والجهل حتى أن بعض الدول العربية سبقتنا فى هذا المجال، ومنها السعودية وقطر وتونس وبالطبع البقية ستأتى فى ظل مناخ الفساد الذى نعيش فيه.

ومما يؤكد ويعمق تخلفنا عن اللحاق بركب العلم والتقدم، أننا نحتل وبجدارة المركز الأخير على مستوى العالم فى الإنفاق على البحث العلمى، حيث لا يتجاوز ما تنفقه مصر على البحث العلمى خمسة من عشرة فى المائة من الناتج القومى الإجمالى، والطامة الكبرى أن حوالى 80% مما تنفقه مصر يذهب كمرتبات وأجور للعاملين بهذا القطاع، أما ما يتم إنفاقه بالفعل على المشروعات والبرامج البحثية إن وجدت لا يتعدى بأى حال من الأحوال 20% فى حين نجد أن إسرائيل قد أنفقت عام 2002 نحو 3,8 مليار دولار على البحث العلمى، وهو ما يزيد على ضعف ما أنفقته الدول العربية فى مجموعها فى هذا المضمار خلال نفس الفترة.

ومما يدعو للأسى حقا أن نجد فى مصرنا العزيزة دولا غيرها من دول العالم أكثر من 425 مركزا ومعهدا بحثيا موزعة على الجامعات والوزارات والهيئات المختلفة بعضها متشابه ليس فى التخصص فقط لكن فى الأسماء أيضا وطبعا فى ظل الفوضى والفساد الذى نغرق فيه حتى الثمالة تعمل هذه المراكز والمعاهد فى جزر منعزلة وتتكرر فيها الأبحاث وتتراكم وتنام على الأرفف حتى تأكلها الفئران والعتة والسوس ولا حياة لمن تنادى طالما أن الابحاث التى تجرى لا تقدم جديدا والهدف منها الترقى.

وفى الوقت الذى نشكو فيه من ضعف ميزانية البحث العلمى فى مصر نجد أن بعض المراكز والمعاهد البحثية التابعة لوزارة البحث العلمى كانت تبادر وحتى وقت قريب برد جزء لا بأس به من ميزانيتها إلى خزينة الدولة، لأنها لم تتمكن من إنفاقه وأن دل ذلك على شىء فأنما يدل على أن البحث العلمى فى مصر (سمك – لبن - تمر هندى)
وبالطبع نتباهى منذ عشرات السنين بأننا وضعنا منظومة متكاملة لتطوير البحث العلمى فى مصر وللأسف الشديد المنظومة عفى عليها الزمن وأكلتها العتة ودخلت النفق المظلم لأنها لم تتمكن حتى من تحسين المناخ الذى يعيش فيه العلماء والباحثين ولم توفر لهم البيئة الصالحة للإبداع والإبتكار فمرتبات أساتذة الجامعات والباحثين بالمراكز والمعاهد البحثية متدنية جدا ولا توجد أجهزة متطورة والمناخ المتاح يبعث إلى الفرار والهجرة إلى الخارج وأمام هذا المناخ المتردى نجد أن هناك باحثين شبان يعملون أعمال أخرى غير البحث والدراسة العلمية ليوفروا حياة كريمة لأولادهم وأسرهم وهناك من يقضى نصف وقته فى الدروس الخصوصية لطلبة الطب والأسنان والعلوم ومنهم من يشرف على مزرعة دواجن حتى يحسن دخله، وبالطبع نجد أن هذا المناخ السيئ وراء هجرة العقول المصرية إلى الخارج ليس بحثا عن المال كما يظن البعض، ولكن بحثا عن الحياة الكريمة والمناخ الصحى الذى يساعد على الإبداع والإبتكار ولا عجب أن نجد أن أكثر من 54% من طلاب البعثات العلمية الموفدين إلى الخارج لا يعودون مرة أخرى لمصر ويفضلون البقاء فى الخارج ليساعدوا الدول الأخرى إلى التقدم ولنظل نحن نسير بخطى الصاروخ نحو الجهل والتخلف وإلى قرون ما قبل التاريخ.

وهناك كلمة لابد منها ألا وهى أن العقول المصرية من أنقى عقول العالم والدليل على ذلك النبوغ غير المسبوق الذى تحققه هذه العقول فى الخارج لتوافر المناخ والبيئة الصالحة للإبداع، ولكن لايجب أن نتباهى ونفخر بعلمائنا فى الخارج كثيرا ولا نضع آمالا عريضة عليهم لأنهم من وجهة نظرى الشخصية لا ينتمون إلى مصر سوى بالجنسية فقط ويجب ألا تراهن عليهم الدولة للخروج من النفق المظلم.

وفى ظل هذا المناخ العبقرى حصلت الجامعات المصرية على صفر المونديال بعد خروجها من قائمة أفضل 500 جامعة على مستوى العالم وهذا ليس بجديد فنحن أصحاب حضارة وريادة وخبرة فى التخلف والعودة إلى الوراء طالما جاءت معايير الكفاءة والخبرة فى ذيل اهتماماتنا واحتلت الكوسة والباذنجان وأهل الثقة مكان الصدارة فى ظل مناخ شعاره أحصل على صفر كبير تحتل مكانة مرموقة والغريب أننا نعالج مشاكل البحث العلمى المزمنة بمنظومات واستراتيجيات وتشكيل مجالس آخرها إنشاء المجلس الأعلى للبحث العلمى والتكنولوجيا برئاسة رئيس الوزراء، ولكن هل يعلم الدكتور نظيف إنه كان هناك مجلس أعلى للبحث العلمى صدر به قرار منذ ما يزيد على 15 عاما ولم يجتمع مرة واحدة.

وأرى أن حصان طروادة الذى يمكن أن يجعل مصر تلحق بذيل التقدم العلمى ويخرجها من عصور ما قبل التاريخ أن تبادر الدولة وعلى الفور بعمل حصر دقيق لجميع المراكز والمعاهد البحثية المتناثر دمها بين الجامعات والوزارات المختلفة يضم أعداد الباحثين والعلماء وتخصصاتهم بكل دقة والأجهزة العلمية المختلفة وإسناد الأمر إلى لجنة علمية على أعلى مستوى تشكل من كبار العلماء وتضم جميع التخصصات الحديثة وإعداد قوائم بالتخصصات المتشابهة أو تلك التى يمكن أن تعمل فى إطار فريق واحد على أن تبادر هذة اللجنة العلمية بتحديد أولويات خطة التنمية بالدولة وإسنادها إلى قطاع البحث العلمى وخاصة القضايا المتعلقة بالأمراض المزمنة كفيروس سى وتلوث الهواء والغذاء والمياة والتربة والتكنولوجيات المتقدمة والطاقات الجديدة والمتجددة والنانوتكنولوجى بحيث يصبح كل باحث فى النهاية مجرد ترس فى منظومة متكاملة ولن يتحقق ذلك إلا فى ظل مناخ صحى يساعد على الإبداع والابتكار ويتفرغ فيه الباحث للعمل العلمى فقط وينسى أمور حياتة الأخرى أى باختصار توفر الدولة حياة كريمة له ولأسرته.

وأعتقد أن المناخ الجديد لن نرى فيه أبحاث السبوبة وأكل العيش ولا رسائل الماجستير والدكتوراة المسروقة والمكررة ولا أبحاث الترقى المشبوهة والتى لا تقدم جديد ولن نجد رسائل علمية وأبحاث مكدسة على الأرفف ولا مدرس مساعد يعطى دروس خصوصية لتلاميذ الأعدادية ولن نجد باحث يعمل فى مزرعة بيض.

* مساعد مدير تحرير الأهرام المسائى






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة