يلازم كلاً منّا عابثٌ صغير.. ملاك أحياناً.. شيطان فى أحايين كثيرة، والسّوادُ الأعظم منّا يسيطر عليه شيطانُه.. فيعيث فساداً بين النّاس، يُبغِضُ هذا، وينقُد هذا، ويقلل من شأن ذاك، فيما ينجح القليلون فى استحضار مَلاَكهم.. ينشرون الخير بين النّاس، ويتبسّطون ليتوسّد الآخرون قلوبَهم واجدين الفُسحةَ والبراح، مدركين المواساة إذا حلّت بهم الخطوب، والنُّصح والإرشاد إذا ما ادلهمّت أمامهم النكبات.
إلاّ أن هذا الصنف الأخير من النّاس.. سرعان مايتحوّل أغلبُهم من النقيض إلى النّقيض إذا ما جارت عليهم الأيّام، وأصبحوا فى موضع العَوَز والحاجة إلى مَن يُسَرّىَ عنهم أو يخفّف من وطأة ما قد يعتريهم من فواجع الدّهر وأزمات الحياة.. ولا يكاد يلبث ثابتاً على موقفه منهم، قائماً فى موضعه ركناً ركيناً لكل ذى حاجة سوى أقل القليل.. فيكون جزاؤهم أن يطلق عليهم: "مجانيـــــــــــــــــــــــن"
وفى الحقيقة هم مجانين بالفعل.. ولكن ليس بالمعنى المتعارف عليه للكلمة.
فالجنون هنا لا يعنى البلاهة.. إنّما يعنى سياجاً يغلّف تلك الفئة، ويحميها بمعزِل عن أدناس الحياة وأقذارها.. فالجنين جنيناً لأنّه احتجب فى رحم أمّه، والجَنّة جنّة لأنّها احتجبت عن أنظارنا.. والجنىّ جنيـّـاً إذ لا يكاد يبين.
ومذ أنعم الله علــىَّ بمعرفة معانى تلك الأسماء، لا يضيرنى أن أستمع لآخرين ينعتوننى بالجنون مرّات ومرّات.. معتبراً نفسى مميًّزاً عنهم.
إذ لا أعبأُ بما يتكالبون عليه من ملذّات فانية، أو جاهٍ زائل، أو مالٍ أسَائَلُ عليه.. أو غيرها من كل عَرَضٍ لا يدوم.
ودائماً وأبداً لا أستحضر ذلك الكامن فـىّْ إذ أنّه يلازمنى كظلّى.. بل إنّه يجرى من عروقى مجرى الدّم.
يلازمنى .. ملاكاً.. يكفكف دمعاً ويربت كتفاً ويمسح أرؤساً كثيرة.. وأكاد أطير فرحاً عشرات المرّات فى كلّ يوم كلّما تناهت إلى مسامعى همهمات المحيطين: مجنون.. مجنون.
القارئ أحمد زكى شحاتة سلامة يكتب: ملاك أحياناً.. شيطان فى أحايين كثيرة
الأحد، 24 يناير 2010 05:36 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة