تباينت ردود الأفعال الرسمية والشعبية والحقوقية إزاء خبر وصول وفد لجنة الحريات الدينية بالكونجرس الأمريكى إلى مصر وبدء أعمالها صباح اليوم من اجل أعداد تقريرها السنوى حول أوضاع الحريات الدينية فى مصر.
استحضرت هذه الزيارة الجدل الدائر حول فكرة دولية قضايا حقوق الإنسان، واعتبار البعض ذلك تعديا على الشئون الداخلية للدول ورغم أن هذه الزيارة السنوية تعهدها مصر منذ عام 1998 إلا أنها هذه المرة تحمل تحفظات عديدة فى ظل حالة التوتر الطائفى الذى تعيشه مصر عقب أحداث نجع حمادى الأخيرة.
ويقول سعيد عبد الحافظ مدير مؤسسة الحوار، هذه الزيارة نعهدها منذ أكثر من 7 سنوات، ورغم تفاوت لهجة التقرير الذى تعده اللجنة من عام لاخر، إلا أن تقريرها هذا العام من المتوقع أن يختلف كثيرا فى ظل احداث الاحتقان الاخيرة مشيدا بسماح الحكومة المصرية لها بالتواجد فى مصر فى هذا التوقيت، ولاسيما أنه سبق ورفضت الحكومة المصرية استقبال هذه اللجنة.
وفى هذا الصدد يشير محمد منير مجاهد المسئول عن حركة "مصريون ضد التميز الدينى"، هذا الوفد وغيره من الوفود ياتى الى مصر بدعوة من الحكومة المصرية وهى التى تمنحه تأشيرة الدخول، فلا مجال للإشارة إلى أن فى هذا انتهاك للسيادة أو تدخل مرفوض.
وأضاف مجاهد أن مصر بعد أن وقعت على المواثيق والاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الانسان صار من حق أى دولة طالما تتوافر لديها الإمكانيات أن تتفقد أوضاع حقوق الإنسان فى أى دولة أخرى، وذلك وفق العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية.
ورفض مجاهد الحديث عن ما اعتبره "حجة" الشأن الداخلى، مشبها التدخل الدولى فى قضايا حقوق الانسان الداخلية، بمقاضاة القانون للأب إذا ارتكب ابنه حادثة قتل، إذ لا يعتبر القانون أن هذا شأن خاص بالأب والابن، وإنما يجازى الأب ويعاقبه، كذلك لا يجوز أن يدافع أحد عن انتهاكات الحكومة لحقوق الأقليات بدعوة أن هذا حقها فهى تفعل ذلك بشعبها وعلى أراضيها.
وأوضح مجاهد أن أسباب هذه الزيارة ليست رعاية حقوق الإنسان فحسب، وإنما حق أمريكا كدولة تمنح مصر منحا ومساعدات أن تتأكد أن هذه الأموال والمقرر أن ترفع من مستوى المعيشة وتحقق قدر من الرفاهية للشعب، وأنها لا تستخدم لمزيد من القمع والإرهاب، مشيرا إلى أن مصر تعانى انتهاكا صريحا وواضحا لحقوق الأقليات، هذا لا يحتاج إلى تقص أو بحث، وإنما يحتاج تحركا سريعا وجديا، سواء بمساعدة تقرير الكونجرس أو بدونه.
ورفض المفكر كمال زاخر اعتبار زيارة هذا الوفد تدخل فى الشأن الداخلى، مشيرا إلى أن مصر أدانت بشدة انتهاكات لحقوق المسلمين وقعت فى ايطاليا والمانيا ولم تعتبر هذه الدول أن مصر تتدخل فى شئونها الداخلية، وكذلك رحبت مصر بالتدخل الأمريكى فى الكويت وأعطته الشرعية ضد الاعتداء العراقى.
واعتبر زاخر أن حماية المصالح الامريكية داخل مصر أيضا مبررا لمثل هذة الوفود، مشيرا إلى أن سياسة العولمة جعلت هناك شبكة متصلة من المصالح والخسائر أيضا الذى يتحملها الجميع مشددا على أن تقارير هذه الوفود تسهم فى الحل الموضوعى للقضية.
وطالب سعيد عبد الحافظ الحكومة المصرية بالتعامل بجدية مع هذا التقرير، وتقديم كافه التسهيلات للوفد لإعداد تقرير واف وصحيح حول الوضع القائم، كما طالب مجاهد بإعلان التقرير ومناقشته أسوة بتقارير اخرى تمدح اداء الحكومة المصرية وتتداولها الصحف القومية وتحتفى بها.
واستبعد زاحر أن تقيم الحكومة اية عراقيل امام عمل هذا الوفد، قائلا "أتصور أن الحكومة من الذكاء، بحيث أنها لا تعالج الأزمة بأزمة أكبر، حتى لا تبدو أمام العالم تسعى الى طمس الحقائق.
مشيرا إلى أن الحكومة المصرية قد تعاملت مع القضية من البداية بكثير من الفهم والوعى، الذى بدأ بإدانة كافة مؤسسات الدولة للحادث وزيارة كبار المسئولين للمدينة ختاما بخطاب الرئيس فى عيد العلم والذى أدان الحادث .
ورهن زاحر قبول التقرير بمدى موضوعياته، إذ إنه من المرفوض أن يكون هدف التقرير هو الإساءة لمصر أو إدانتها بدون معايير موضوعية صحيحة مطالبا اللجنة بتقصى الحقائق بحيادية ومصداقية.
كانت آخر التقارير التى أصدرتها لجنة الحريات عام 2009 قد أدانت حالة الحريات الدينية فى مصر، ووصفتها بأنها "أصبحت متردية للغاية"، كما قالت اللجنة فى تقريرها الذى تضمن 8 صفحات عن أوضاع الحريات الدينية فى مصر، إن الأقليات الدينية فى مصر مازالت تُمارس ضدها أشكالاً متعددة من العنف والقمع، وأصبحوا ضحايا للعنف والتعصب الدينى، فى الوقت الذى لم تحاول فيه الحكومة المصرية اتخاذ إجراءات لحماية هذه الأقليات من العنف الذى يتعرضون له.
ووصف التقرير الأخير سجل مصر فى مجال حقوق الإنسان بأنه"ضعيف للغاية"، واتهم الحكومة المصرية بارتكاب"ممارسات قمعية، وانتهاك حرية الفكر والتعبير وقمع حرية ممارسة الشعائر الدينية"، مضيفاً أن الأقباط والبهائيين يتعرضون للقمع والتمييز والتعصب، وأن عدم تحرك الشرطة للتحقيق فى حوادث العنف التى تتعرض لها الأقليات يؤكد إهمال الدولة لتلك الأحداث، مشيراً إلى أن الجانب الإيجابى الوحيد فى التقرير عن مصر، تمثل فى السماح للبهائيين باستخراج بطاقات هوية خاصة بهم.
كما تضمن التقرير اتهامات باستخدام قانون الطوارئ لإساءة معاملة، وتعذيب السجناء، والقيام بعمليات اعتقال تعسفى من قبل الحكومة المصرية، ليس هذا فقط بل أصدرت اللجنة فى نوفمبر 2009 تقريراً حمل عنوان "الفكرة الخطرة لحماية الأديان من التشهير- التهديد للمعاير العالمية لحقوق الإنسان"،
وقامت خلاله بشن هجوم شديد على مصر، ومنظمة المؤتمر الإسلامى بسبب "محاولة تقييد حرية الأفراد تحت مسمى مكافحة التشهير بالأديان" وفقاً لما ورد فى التقرير، الذى هاجم المحاولات التى سعت من خلالها منظمة المؤتمر الإسلامى للحصول على ميثاق أو اتفاقية ملزمة للدول الأعضاء بمنظمة الأمم المتحدة ضد "التشهير بالأديان"
وذكرت اللجنة أن مصر قامت بدور رئيسى فى الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك ليتم قبول تلك القرارات، وذلك بالتعاون مع باكستان التى قادت الجهود فى مجلس حقوق الإنسان فى جنيف، بدلاً من تقديم تبرير لما تفعله الحكومات من تقييد للحريات الدينية وحرية التعبير.
وأدان التقرير وقتها وعلى وجه التحديد "استخدام الحكومة المصرية لتهم مثل ازدراء الأديان والإساءة للإسلام لسجن مسلمين شيعة وأفراد مثل المدونين الذين نادوا بإصلاحات سياسية ودينية"، مضيفاً أن هناك دولاً تستخدم تلك القوانين لتصفية حسابات شخصية.
ولم يرد بالتقرير ذكر لأية دولة من الدول الإسلامية بشكل صريح سوى مصر وباكستان، حيث وجهت اتهامات لهما بشأن أدائهما فيما يتعلق بأوضاع حقوق الإنسان فيهما، ودعت وقتها اللجنة جميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة إلى مناهضة تلك القوانين والقرارات، والتواصل مع الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامى وحكومتى مصر وباكستان تحديداً لرفع الوعى لديهم حول المخاوف الموجودة بشأن مصطلح "التشهير بالأديان".
ووضعت لجنة الحريات الدينية مصر ضمن قائمة المراقبة التى تضم دول تحتاج إلى مراقبة أوضاع حقوق الإنسان بها عن قرب، بسبب الانتهاكات التى ترتكب من قبل الحكومات بها ضد الأقليات الدينية.
ومن المعروف أن لجنة الحريات الدينية الأمريكية هى لجنة مستقلة مكونة من الحزبين الرئيسيين، ويقوم الرئيس الأمريكى وقادة الحزبين الرئيسيين بمجلسى النواب والشيوخ بتعيين مفوضى تلك اللجنة التى تراجع انتهاكات الحرية الدينية على الصعيد الدولى، وترفع التوصيات إلى الرئيس الأمريكى ووزارة الخارجية والكونجرس.
مفكرون وحقوقيون يرفضون اعتبار زيارة لجنة "الكونجرس" لمصر تدخلا فى الشأن الداخلى ويطالبون الحكومة بتسهيل المهمة ومناقشة التقرير بموضوعية
السبت، 23 يناير 2010 02:39 م
المفكر كمال زاخر<br>
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة