يقول سعد زغلول عن وطنية الأقباط : «لولا وطنية الأقباط لتقبلوا دعوة الأجنبى لحمايتهم، وكانوا يفوزون بالجاه والمناصب بدلاً من النفى والسجن والاعتقال، ولكنهم فضلوا أن يكونوا مصريين معذبين محرومين من المناصب والحياة والمصالح ويساقون للضرب ويذوقون الموت والظلم على أن يكونوا محميين بأعدائهم وأعداء الوطن.»
كانت حياة مكرم عبيد تنبض بالوطنية الغامرة، والسبب أن الوطن كان للجميع، والحكم بالرغم من ملكى إلا أنه كان يتسم بالحرية المطلقة، ولم تكن للنعرات الدينية أى تواد فكان مناخاً طيباً وساعد على هذا الرجل النبيل والمخلص الذى لم تنجب مصر حتى تاريخه مثله وحقاً لنا أن ندعوه دون غيره الزعيم الخالد، وكان زمنه زمن المحبة الخالصة لكل أطراف الشعب فكان رحمة الله عليه قدوة حسنة لكل مصر.
ومن خلال الحرية والمساواة لكل الشعب كمواطنين لافرق بينهم فى الدين أو اللون أوالجنس نجح فى ترشيحه فى البرلمان الذى سموه غشاً فيما بعد مجلس الشعب، وهو لايمت بصلة للشعب فضلاً على دائرة قنا عدة دورات، وحصل على أصوات مسلميها الكثر وأقباطها القلة على أن اعضاء البرلمان كان لهم وزنا ثقيلا، ولم نسمع يوما عنهم أن أحدا منهم كان بلطجياً أو تاجر مخدرات أو تاجر بارواح الشعب كما الحال الآن،بل كان أغلبهم من الأعيان فلم يطمع أحد منهم فى مال الدولة أو الرشوة بل كانوا يتسابقون فى تغطية المشروعات الخيرية من جيبهم الخاص، رحمة الله عليهم، وعلى أيامهم الجميلة.
يقول د. حسين مؤنس أن لمكرم عبيد قول مأثور كان يردده فى خطبه قائلاً: «إن كل المصريين أقباطاً ومسلمين أخوة لأن مصر أمهم، وزغلول أبوهم.»
يقول د. مصطفى الفقى فى كتابه «الأقباط»: «وقد أصبح الأقباط وثيقى الصلة بسعد زغلول، وأظهروا دوماً ولاءهم وإخلاصهم لزعامته، وعندما واجه الانشقاق الأول فى الحزب فى يونيو 1921، ظل معظمهم إلى جانبه مؤيدين خطه الوطنى المتشدد من أجل الاستقلال الكامل، وقد التف حول سعد زغلول أثناء خلافه مع عدلى يكن ثلاثة من الأقباط هم: واصف غالى، وسينوس حنا، وويصا واصف.»
مكرم عبيد يخطب أمام شباب شبرا بعد عودته من المنفى مباشرة: قولوا لهم( للمستعمر الانجليزى) هم أقباط ومسلمون فى وفدهم أو برلمانهم، فقد كنا ولانزال مصريون فى سجوننا.. عبثاً يفرقون بين آمالنا فقد اتحدت آلامنا، عبثا كله عبث فقد اكتشفنا سر الحياة وهو الخلاص، وما اتحادنا إلا اتحاد قلوبنا ونفوسنا ومشاعرنا، ولن يفصلنا فاصل بعد أن جمعنا الواحد القهار.
ويذكر د. مصطفى الفقى فى كتابه: والواقع أن مكرم عبيد يمثل الشخصية المصرية العامة فقد كان نابضاً بالحيوية الفكرية ومتمتعاً بقدرات سياسية متنوعة، يندر تواجدها فى مثله، وكان زعيماً متفوهاً بالكلمة ويملك المقدرة على جذب مستمعيه، وإقناع الجميع برأيه. ويعتبر مكرم أشهر خطيب فى التاريخ السياسى المصرى الحديث ولسوء الحظ فإن أية ترجمة لخطبه وأحاديثه تعجز عن إبراز قوتها الحقيقية لأنه من غير الممكن الإبقاء على الأسلوب الخاص لبلاغته فى الترجمة، فكان يستخدم السجع والقوافى وموسيقى الكلام كى يدفع بوجهة نظره إلى هدفه المنشود.
ويقول عبد العظيم رمضان فى وصف مكرم عبيد على لسا ن أحد أقطابه بأنه: سيف الوفد الذى لايدخل غمده، ولسانه لايسكت وقلمه لايكف عن الصرير، وكان الناس ينسون أنفسهم وهم يصفقون له أعجابا.
ويذكر الأستاذ محمود سليمان غنام أن فى كل مرة يعود مكرم عبيد من لندن كمبعوث شخصى للزعيم سعد زغلول، يستقبله الشعب بهتافات مدوية، خاصة أثناء خطبه المتتالية التى ألقاها فى محطات القطار أثناء طريقه إلى القاهرة، والترحيب الحار به فى محطة مصر وكان على رأس مستقبليه زعيم الأمة سعد زغلول وصحبه فى حزب الوفد، وأكد هذا القول أحمد شفيق باشا فى كتاب «حوليات مصر السياسية.»
كان مكرم عبيدعلى حد تعبير الكاتب الكبير الراحل أحمد بهاء الدين- هو الفارس الذهبى للحركة الوطنية المصرية.. والمعيار الذى تقاس به المواقف الوطنية السليمة.. ويقاس الحق والباطل إلى مقياس مواقفه وسياساته.. فهذا الرجل، ابن الأقلية الدينية فى بلد من بلاد العالم الثالث، استطاع أن يكون سكرتير عام أكبر حزب سياسى فى تاريخ مصر السياسى كله، وأن يكون عقله المفكر.. ونقطة الجذب الأساسية، وجوهرة الحزب الثمينة، وأقوى مدافعه فى شتى المعارك، إنه طراز وحده فى الثقافة والذكاء وطبيعة الفنان الخلاق فى السياسة.. إنه سابق لعصره فى الكثير من أفكاره
واتجاهاته.
هل يجود الله علينا بزمن مثل هذا زمن الحب، صدقونى سنعيش حياة هنيئة لنا ولأجيالنا القادمة، يحسدنا عليها العالم كله..هل تتخيلون مصر بلا فتن طائفية أو كراهية الآخر أو أى تعصب، ونملأ قلوبنا بحب وطننا لقد وهبنا الله مناخا طيباً، وورثنا عن أجدادنا أحلى الآثار وأفخمها التى أضحت حديث العالم كله.. تعالوا بنا نحلم ونحلم ولا نستيقظ إلا على تحقيق حلمنا الجميل.
لقد كان مكرم والنحاس توأمين، وقال النحاس باشا ذات يوم لسعد زغلول أنا ومكرم واحد نعيش معاً، ونموت معاً.. سعى القصر لهدم أواصر المحبة بينهما ونجح.
واختلفا لكن ليس بكراهية وتنابذ، وابتعدا لكن فى حب، واختلاف العقلاء لايفسد للود قضية.. نحن ننتظر صوت عقلاء الوطن وحكماء هذا الزمن، ليعيدوا لنا عهداً جديداً وزمناً جميلاً مصحوباً بالحب والسلام والسعادة.
• كاليفورنيا
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة