كثيراً ما يقابل الإنسان فى حياته من الأشخاص من يدفعنا إلى سؤاله من أين لك هذا؟!، وينطبق هذا السؤال فى الغالب على من يجده الناس فجأة بين الأغنياء بعد طول فقر أو توسط حال، ويرتبط فى أذهان الجميع أن السؤال جارح للشعور والأحاسيس، ففى طياته اتهام يكاد يكون صريحاً بالحصول على المال بطرق غير طبيعية أو غير شرعية.
ولكنى هنا أجد حالاً غريبة طال الأمد بها حتى صارت علامة مميزة للشخص التى تحتويه هذه الحال، صارت لديه كل مقومات بقاء الحال على ما هو عليه، لم يتغير ولم يظهر أن الحال ستتغير، بل صار الشخص علماً لها فلا تذكر الحال إلا ويذكر هو، فيأتى السؤال ولكن بصورة تهكمية... من أين لك هذا الإصرار على بقاء حالك على ما هى عليه.
دعنا أخى القارئ من هذه الألغاز حتى لا تصيبنى لعنة السؤال فأكون ممن ينطبق عليهم البيت الشهير من عيون الشعر العربى
نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سونا
أقول من للمسئول عن نظام الحكم عندنا كل هذه الخصومة والكرة والعمل مع العدو والإصرار على استبعاد ينافى العقل لمن هم فى أعمق نقطة لعمق أمن بلاده القومى؟!.. من أين له هذا التجبر والظلم وممارسة الضغوط على الضعيف ونصرة للظالم الذى هو عدوله وعدو لنا.
من أين له هذه القسوة على أبناء شعبه وتتعدى القسوة على أبناء شعب جار يحاصره ويجوعه ويحاربه ويساعد عدوه – الذى هو عدو لنا - من أين له هذا الإصرار على إبقاء ما يكرهه شعبه جاثماًعلى صدره، ممسكا بمقدرات الأمة يسرقهم ويتفنن فى ذلك بمسميات متعددة كضرائب كل يوم بصورة تسحب أموال الشعب وتدخلها فى جيوب من لا نعرف لينفقها فى طريق لا نعرفه.
من أين له هذا الجنوح للصمت وليلقى الشعب بنفسه فى النهر، وإن لم يعجبه النهر فالبحر موجود، فالوطن محاط بالمياه من كل جانب ويكفى لابتلاع الثمانين مليونا ويفيض.
من أين له هذه العداوة لفريق هام من أبناء الوطن ويسمى بعضهم بالمعارضة والبعض الآخر بالمحظورة ويستحدمهم فزّاعة للغرب مرسلا برسالة مفادها أن نظامه بعيوبه أرحم ألف مرة، من أن تأتى المعارضة بأطيافها، ويمعن فى العداوة سجنا واعتقالا وتهميشا.
من أين له هذا الخنوع للقطب الواحد فى العالم، والتذلل له وسهم القطب الواحد فى هبوط وأسهم غيره فى صعود لا يلقى لهم بألا يفكر إلا فى يومه ومستقبل الأمم ينظر فيه بالسنوات لا بالأيام.
من أين له بهذا الصلف فى أن يسجن معارضيه ليسهل لابنه طريقا نحو الحكم حتى ينطبق علينا المثل القائل (رضينا بالهم لكن الهم لم يرض بنا).
لكن السؤال للآخر وهو الشعب، لنا أن نسأله من أين لك هذا الصمت والذل والخنوع وأنت تسرق يوميا، وتهان فى كل دقيقة، وتمتهن فى كل لحظة، وتجوّع حتى تتسول أو يتم التسول عليك، ولا يعود لك حتى عائد التسول.
من أين لك هذا الرضى العجيب وأنت تُحرق فى القطارات، وتُغرق بالعبّارات فى جوف البحر، وأنت تضيع كرامتك بلصق اتهامات أنت برىء منها من أنك تحاصر جيرانك وتجوعهم وتسجنهم برا ومن باطن الأرض.
من أين لك هذا الوقوف مكبلاً أمام نواب لحزبه يسرقون من أرضك ويمنعون القوانين التى فى صالحك، بينما يمررون كل القوانين التى تستخدم لإعدامك اقتصاديا وسياسيا، ويسرقون منك الحرية بتعديلات دستورية تارة، ومباركة لسارقك وظالمك مرات أخرى.
من أين لك هذا؟!... أيها الشعب الأبى صاحب المعجزات والتاريخ الباهر، وقد كُتب عليك أن تحكمك فئة لا تستطيع أن تسألهم من أين لكم هذا الوط ؟!
القارئ د.عاطف عبد الفتاح الحديدى يكتب: من أين لك هذا؟!
الجمعة، 22 يناير 2010 09:56 ص
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة