لا تقف العلاقات المصرية الليبية عند حدود علاقات الجوار، بل إنها امتدت إلى تطابق غريب فى المواقف السياسية للدولتين، كشف عنه العديد من الأزمات العربية المتتالية، التى كانت القاهرة وطرابلس على خط واحد فيها. وقد كان لدخول ليبيا على خط الوساطة المصرية بين الفصائل الفلسطينية، أثره فى دعم الجهود المصرية للمصالحة بين فرقاء الدم الواحد، خاصة أن ليبيا تتمتع بثقة كبيرة لدى الشعب الفلسطينى والفصائل بما فيها حركتا فتح وحماس، وليس هذا الدعم الليبى للقاهرة بغريب على مواقف العقيد معمر القذافى قائد الثورة الليبية، الذى أشاد بالجهود المصرية فى تقوية وإحياء حركة عدم الانحياز، والعمل على إيجاد طريق محايد فى الصراعات الدولية بعيداً عن قوى الهيمنة وعالم القطب الواحد، كما تدعم ليبيا الرئاسة المصرية القادمة لمنظمة المؤتمر الإسلامى.
ولم يكن غريباً وسط هذا التطابق أن يصطحب الرئيس معمر القذافى الرئيس الجزائرى عبد العزيز بوتفليقة فى خضم الحملة الانتخابية الشرسة التى خاضها وزير الثقافة فاروق حسنى على مقعد مدير عام منظمة اليونسكو، ليعلن بوتفليقة من القاهرة أن بلاده تدعم ترشيح حسنى، وأنها سحبت تأييدها لوزير خارجية الجزائر محمد بجاوى.
حتى فى الأزمة المصرية الجزائرية الأخيرة تدخل القذافى لرأب الصدع بين القاهرة والجزائر، إلا أنه فطن إلى تعمق جذور الخلاف إلى المستوى الشعبى، فقرر الانتظار إلى أن تتلاشى سحابة الصيف.
المتابع لتاريخ العلاقة بين القيادتين المصرية والليبية يرى تواصل التشاور بينهما فى كل كبيرة وصغيرة، وهو ما يوضحه عدد الزيارات المتبادلة، والاتصالات شبه اليومية بين مسئولى البلدين، التى تشير إلى عمق العلاقات المصرية الليبية، والاتفاق فى وجهات النظر بين القيادتين فى مختلف القضايا العربية والأفريقية.
ولا شك أن هناك دوراً كبيراً يلعبه مكتب منسق العلاقات المصرية الليبية أحمد قذاف الدم فى دعم وتقوية الروابط الشعبية بين البلدين، ومنها اتصالاته المستمرة لإلغاء أحكام الإعدام على مواطنين مصريين أدينوا فى ليبيا، بل وقيامه بدفع الدية لأقارب الضحايا افتداء للمصريين وتفعيل اتصالاته بدوائر القضاء الليبى، حرصاً على ألا يراق دم مصرى على الأراضى الليبية ولو كان مداناً فى جرائم جنائية، ولا يكتفى قذاف الدم بذلك وإنما لا نجد مناسبة أو محنة تعرضت لها مصر إلا وكان مكتب منسق العلاقات المصرية الليبية يقف مسانداً للقاهرة ومؤيداً لها، فلا ينسى له أحد وقوفه وسط أنقاض الدويقة مسانداً لأهل المنطقة فى محنتهم.
قذاف الدم الذى يرتبط ارتباطاً خاصاً بمصر التى يعيش فيها "أخواله"، دائماً ما يكرر جملته المعهودة "نحن نريد كسر حواجز الحدود بين البلدين التى فرضها الاحتلال اللعين، الذى قسّم شعباً واحداً إلى شعبين"، وهو ما يؤكد على مكانة مصر فى نفوس الليبيين قيادة وشعباً.
إن العلاقات المصرية ـ الليبية تعد نموذجا يحتذى به لعلاقات موغلة فى القدم بين دول الجوار على كافة الأصعدة والمستويات الرسمية والشعبية،. وفى كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التى ساعدت على حركة السكان والمبادلات الاقتصادية والحضارية بين البلدين، مما يؤكد المصير الواحد والمشترك لهما.