يعتقد معظم من تناولوا جريمة نجع حمادى «الآثمة» فى الصحف، أنه لا توجد ضغائن بين عنصرى الأمة، وأن ما حدث لن يعكر صفو العلاقة التاريخية، وكان لانتقال فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر إلى مكان الحادث، كبير الأثر فى تجفيف منابع الاحتقان، وأعتقد أن تصريحاته كانت صادقة ومسئولة «وبروتوكولية» أيضاً، ولكنها لن تحل المشكلة، لأن الموضوع أكبر وأعقد من التقاط صورة تذكارية تنشرها الصحف، وتتصدر نشرات الأخبار المحلية، أنت أمام مناخ يدعو إلى التطرف، يشارك فيه الجميع، ولم يعد مقتصراً على المتشددين فى الجانبين، والدولة مشغولة بإظهار تدينها وسماحتها حتى لا يزايد عليها أحد، فى الأيام الماضية استوقفتنى واقعتان فى غاية الخطورة، من الصعب حدوثهما فى بلد عريق مثل مصر، الأولى فتوى أزهرية تبيح «فك شفرات» الجزيرة الرياضية لمشاهدة مباريات المنتخب، أطلقها الدكتور سعد الدين الهلالى أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، ونشرتها المصرى اليوم، قال فيها «أفراد المجتمع فى حل من أى نص قانونى أو اتفاق مع قناة الجزيرة الرياضية، لأنهم لم يكونوا إطلاقاً أصلاً فى هذا الاتفاق الذى يربط بين القنوات الرياضية بعضها وبعض»، هذه الفتوى هى تحريض على التعدى على حقوق الغير، حتى لو كان هذا «الغير» يتصرف بشكل قانونى، بصرف النظر عن الخصومة التى بين النظام وبينه، وهى أيضاً استثمار غير أمين لمشاعر المشاهد البسيط الذى يرى فى رجل الدين «نموذجاً»، فإذا أفتى بحل الشفرات، قاس على هذه الفتوى وخرج على القانون بحجة أنه «لم يكن طرفاً فى أى اتفاق»، وبالتالى لايكون هناك مجتمع، ولا أدرى على أساس استند أستاذ الفقه المقارن لكى يبرر السرقة، لأن مفهوم الاحتكار كما قالت أستاذ الفقه المقارن «أيضاً» سعاد صالح - للجريدة نفسها - لا يتحقق إلا فى حالة التأثير على الضرورات الخمس: الدين والنفس والعرض والعقل والمال، وبما أن عدم مشاهدة مباريات كأس الأمم الأفريقية لا يؤثر على أى من هذه الضرورات، ولا يؤدى إلى هلاك الإنسان، فلا يجوز شرعا فك شفرات الجزيرة الرياضية»، أنت أمام صوتين أزهريين وأستاذين فى الجامعة وفى مادة واحدة، ومع هذا تشعر أنهما من ثقافتين مختلفتين، ومن أزمنة سحيقة، ويتحدثان عن «الدريم بوكس»، تماماً كما يحدث فى كل المجالات، الأطباء يقولون «طعموا» أولادكم ضد أنفلونزا الخنازير، والأطباء أيضاً يقولون لا «تطعموهم»، وقس على هذا لكى تعرف الورطة «اللى احنا فيها».
الواقعة الثانية كلام حسن شحاتة الذى قال فيه إنه «لم يكن ممكنا أن أضم لاعبين لا يؤدون الصلاة» واصطياد الصحافة العالمية فى «الماء العكر» كما قالت الصحافة الرياضية الرسمية، وقوله أن محمد زيدان لم يكن يؤدى الصلاة، ولكنه أقنعه، وعندما صلى يوم مباراة مصر والبرازيل، أحرز هدفين دفعة واحدة،يفرحنا بالطبع أن يؤدى اللاعبون الصلوات الخمس لأنها فرض، ولأن الصلاة تجلى القلب، ولكن أن تكون شرطا لاختيار لاعب فى مباراة، فهذا يعنى اقحام الدين فى شىء هو أكبر وأسمى منه،وأنه يجعل اللاعب القبطى - إن وجد - غريبا وغير منسجم مع الذين يحملون معه علم بلاده، ومنزويا أكثر من المسلم محمد زيدان، قبل عودته إلى الله يوم مباراة البرازيل، والخوف أن يتم اشتراط الالتزام على المتفرجين فى السنوات القادمة، لقد تحول منتخب الفراعنة (وهو الاسم الذى عرفتنا البشرية به) إلى منتخب الساجدين، ومدرب حراس المرمى لايترك المصحف الشريف من يده طوال المباريات، كأننا فى معارك ضد الكفار، وليس ضد فرق يلعب فيها مسلمون يحبون دينهم أيضا ويغارون عليه، وذهبوا إلى أنجولا للعب كرة قدم، حسن شحاته رجل طيب، ولكن عليه أن يعرف أنه يلعب باسم وطن يوجد به احتقان حقيقى، هو مدرب قدير وله كرامات فى اللعبة، وليس رجل دين، وباستطاعته أن يتفرغ للدعوة فيما بعد، ولكنه فى أنجولا يدافع عن اللقب لكى يسعد الجمهور المصرى (مسلم ومسيحى).. وهو قادر بإذن الله على هذا.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة