مصر فى أزمة يحس بهذا قطاع كبير من المصريين، وهناك من يرضخ للحال الذى ألفه، وهناك من تفقده كثافة الإحباطات أى رؤية لإمكانية الإنقاذ. إن مصر فى حالها هذا لابد وأنها تستصرخ هؤلاء المصريين الذين يملأهم الإصرار والعزيمة على إنقاذها، بالرغم من كل الإحباط الذى يتملكنا جميعا.
يبقى اعتقادى دائما أن كل مشكلة إذا درست فهى بالضرورة لها حل، وأن طريق الألف ميل أوله خطوة، ولكنه لن يبدأ إلا إذا أخذنا هذه الخطوة الأولى وفى تقديرى فنحن لم نأخذها بعد.
هناك ثلاثة محاور للإصلاح تتبادر إلى ذهنى كقواعد حاملة، مما يميزها عن محاور أخرى هامة بلا شك، وذلك عندما يثور التساؤل كيف للمصريين أن ينقذوا مصر؟.
المحور الأول يعتمد على الإصلاح السياسى وهو ما يتميز بجملة تغييرات تطلق الصحوة والأمل كما أنه يحمل معه معانى أساسية فى تقدم أى أمة مثل حق الشعب فى اختيار حكامه بإرادته الحرة، بدءا من عمد القرى، مرورا برؤساء المراكز والمدن والمحافظين حتى رئيس الجمهورية، وبالمثل حق الشعب فى محاسبة هؤلاء الحكام عن طريق ممثليه المختارين بانتخابات حرة فى مجلس الشعب والمجالس الشعبية المحلية، وحقه فى عقابهم إذا قصروا فى حماية مصالحة بإسقاطهم فى الانتخابات التالية، هذا المناخ هو الكفيل بإطلاق المشاركة الشعبية فى إنقاذ مصر والدفع بها على طريق النهضة وهذا إنجاز كبير، كل ما سبق ماهو إلا ترجمة مباشرة للآلية التى اختارها الله تعالى لصلاح الأرض ومنع فسادها، هذه الآلية هى دفع الناس بعضهم ببعض. أن صورية الديمقراطية التى نعيشها تعطل هذه الآلية والنتيجة نعرفها جميعا ونراها بأعيننا.
يشكل إنقاذ التعليم من ترديه هو المحور الثانى للإنقاذ، لاشك أن الأولوية هى لإنقاذ أطفال مصر فتعليمهم الأساسى لا يفى إطلاقا بالغرض منه ومستواهم الصحى العام لا يرضى أحد ومواهبهم مهدرة فى التراب، لابد للدولة أن توفر لأطفال مصر التعليم الأساسى الذى يتسم بالتقدم والإتقان ليتعلم فيه الطفل أصول التفكير العلمى المنهجى وأصول النظافة ومبادئ الجمال والرقى والدين الوسطى الصحيح.
لابد أن يتلقى كل طفل الرعاية الجادة من الصحة المدرسية، فلا مجال لشيوع الأنيميا والتقزم وغيرهما من الأمراض التى أصبحت تعوق مستقبل أطفالنا. بالإضافة لهذه الرعاية الصحية لابد أن يشمل المسح الجاد حالة الأطفال الغذائية والنفسية والاجتماعية ليتخرج من التعليم الأساسى جيل صحيح بدنيا ونفسيا.
يهدف المحور الثالث إلى تبنى الإنقاذ الممكن وفورا، ولكن بأحسن مستوى متاح وهو ما يزرع الأمل فى أرض الواقع والبدء فى الفعل ليلمسه الشعب فيثير فيه الهمة والإلهام. هذا المحور يعتمد على إستراتيجية يمكن تسميتها ببؤر التميز التى قد تكون فى الموارد البشرية فى كل مجالات العمل أو قد تكون بؤر جغرافية للتميز.
تعتمد بؤر التميز فى تكوينها على انتقاء نوعيات من المتخصصين المتحمسين الدين تم تدريبهم بعناية، ويتم تجميعهم فى ظل كادر مالى يتيح لهم حياة كريمة ومستقبل أمن، وأيضا فى ظل نظام إدارى متقدم يتيح لهم صلاحيات تم نسف ما يعوقها من الروتين القاتل الذى يفسد أى فعالية، كما يضع نظاما محكما للتقييم يتيح التفعيل الحقيقى لسياسة الثواب والعقاب، تمثل سيناء نموذج محتمل لبؤرة تميز جغرافية فهى مازالت فى أول طريق تعميرها وتحتاج لإعلانها كقطاع جغرافى دو نظام إدارى متميز يتيح لها الانطلاق.
إن إستراتيجية البؤر المتميزة يمكن تطبيقها فى كل مجال عمل لتكون بمثابة رأس الحربة التى تحمل الأعباء المحورية بمستوى أداء عالى الفعالية والانضباط يبعث الأمل ويلهم الشعب فى اتجاه النهضة. أن انضباط حياة المصريين فى الشارع وفى المجتمع عموما بحاجة ماسة لمثل هذه الإستراتيجية. إن إنقاذ مصر هو واجب لا مجال لليأس معه فلنحرر تفكيرنا مما هو قائم وما اعتدناه، وفى ذلك فليدل كل منا بدلوه فهل من مشارك.
أستاذ بكلية طب القاهرة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة