مدارسنا هل يمكن إلغاؤها والاكتفاء بالتعليم عن بعد؟!
لا أعتقد أنه مهما تطورت وسائل التعليم عن بعد بطرق متطورة أنه يمكن الاستغناء عن المدارس، لأن المدرسة ليست فقط تعليم للطفل أو حشو لعقله بمعلومات، بل هى أخطر فترة يتم فيها تشكيل ليس عقله وفهمه فقط، بل شخصيته وجسده ووجدانه وأفكاره وعقليته وتوجهاته ومواهبه وكل شىء سيكون له مردود وانعكاس عليه فى حياته فى المستقبل وانعكاس على المجتمع ككل ممن سيمثلون شبابه ورجاله ونساءه.
قل لى فى إى مدرسة يتعلم طفلك أقول لك مبدئيا كيف ستكون شخصيته ومستقبله ليس فقط عمليا ووظيفيا، بل فى كل شىء نحو نفسه ونحو أسرته ونحو مجتمعه ونحو الآخرين أيضا، ولهذا السبب طفل الشوارع الذى لا يدخل المدرسة ينشأ كارها للآخرين المتعلمين، ويشعر بالغربة عنهم ويحتمى باصدقائه من البيئة نفسها ويعتبر المتعلمون وخريجو المدارس غرباء عنهم، ولهذا السبب المدارس مهمة، لأن صورة مصغرة للمجتمع.
ليس كل الأطفال لهم أشقاء ومن له أخ ربما ليس له أخت، وليس كل الأطفال لهم أقارب أو جيران والمدرسة من أحد مميزاتها أنها تجعل الطفل اجتماعيا بعد أن يترك حضن أبيه وأمه وأسرته وبيته يخرج، ليتعلم كيف ينفتح على مجتمع أكبر ويتعامل مع غرباء فى عمره نفسه وأكبر وأصغر منه، ومن ثقافات مختلفة وأديان مختلفة ومستويات اجتماعية مختلفة يتبادل معهم ثقافاته، ويتعلم منه ويتعلمون منه ويتوصل لفهم أشياء كثيرة عن طريق التقارب والاختلاف وشخصية الطفل تتغير تماما عندما يدخل المدرسة على عكس أى طفل يحرم لأى سبب من الاختلاط والاندماج مع غيره.
بعض المدارس ترسخ الانعزالية ورفض الآخر مثل بعض المدارس التابعة لجهات دينية معينة التى لا يجد فيها الطفل أطفالا من ديانته نفسها وديانات أخرى، فمصر ليس فيها كثيرا جنسيات أخرى عربية أو غربية، ومثلما فى مدارس دول الخليج مثلا، لكن أيضا يوجد فيها مدارس إسلامية أو مسيحية فقط، مثلما هناك مدارس مشتركة ومثلما هناك مدارس بنات فقط أو بنين فقط، وهناك مدارس مختلطة أيضا ومثلما هناك مدارس فيها أطفال من مختلف الشرائح والطبقات ومدارس للفقراء ومدارس للأغنياء فقط.
شخصية كل طفل فيها الذى سيصبح شابا فى المستقبل بالطبع تختلف وفق المدرسة أو فيما بعد الجامعة التى تعلم وتربى فيها، ولكن المدرسة أهم، لأن فترة الطفولة المبكرة والمراهقة هى الأخطر فى تشكيل العقل والشخصية، وأعتقد أن الأطفال الذين ينشئون فى مدارس فيها تنوع كبير شخصياتهم أفضل، ويكونون فى المستقبل أقل تعصبا وانغلاقا ويختبرون بأنفسهم الآخرين، ويحكمون عليهم وليس حكمهم عليهم من بعيد ومثلما يعلمه لهم الكبار ولو أن بعض المدارس تفصل طفل عن طفل، فمؤكد أنه سيصعب تعامله معه فى المستقبل عندما يكبر هذا وذاك، ويتقابلان لأول مرة فى الجامعة أو فى العمل أو الحياة ويشعران بغربة.
فى المدرسة يكتشف الطفل نفسه والحياة ويندمج ويخرج من حيز الأنانية المفرطة والنرجسية والانعزالية والانغلاق وتصقل شخصيته، وبعضهم يكتشف أن لديه قدرة على الزعامة والقيادة، والبعض يكتشف قدرته على التحليل والنقد والبعض يكتشف قدرته على الخيال والإبداع وفى المدرسة يتعلم الطفل كيف يتعامل مع المشاكل والتهديدات التى تواجهه، وفيها يتعلم أنه موهوب فى أى ناحية، وما هى هواياته وهل هو مبدع فى الحساب أكثر أم فى الرسم أم فى الشعر أم فى العلوم وفى المدرسة يصبح الطفل لأول مرة مسئولا عن إطعام نفسه والحفاظ على سلامته، ويعرف أشياء مهمة مثل الانتماء والوطن والواجب ويتعلم النظام والالتزام وروح الجماعة، واحترام الوقت والمنافسة الشريفة واحترام الكبير والتعبير عن الرأى والحرية والنقاش المحترم وأشياء كثيرة أخرى.
باختصار تشكيل المجتمع والأشخاص الذين سيمثلون المجتمع سواء أكانوا مبدعين أو إرهابيين أو منعزلين أو فاسدين كله يتوقف على مرحلة المدرسة، ولو عرفنا هذا فسنعرف أن المدرسة ليست فقط للتلقين والتعليم.
القارئة د. نيفين شكرى تكتب: المدارس نموذج مصغر للمجتمع؟!!
الأربعاء، 20 يناير 2010 11:04 م