يسرى فودة

الدين لله وكل شىء آخر للجميع

الأربعاء، 20 يناير 2010 08:13 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بصراحة ودون مقدمات، سيتأثر الاقتصاد المصرى سلباً، وسيتخذ الاتجاه المحافظ فى مصر خطوة أخرى نحو الانغلاق والتشدد ورفض الآخر، بسبب تصريحات المدير الفنى للمنتخب المصرى لكرة القدم حسن شحاتة، صبيحة الفوز على نيجيريا فى بطولة كأس الأمم الأفريقية.

فمع تقديرنا لشخصه، ووقوفنا وراءه وهو يدافع فى أنجولا عن سجله الحافل، كى يرسم على شفاهنا جميعاً بسمة أخرى، يربط الرجل بصورة تبدو مصممة لاستدرار تعاطف البسطاء بين إحراز محمد زيدان هدفين فى مرمى البرازيل، ونجاحه فى إقناع المهاجم المصرى بإقامة الصلاة بعد أن «كان ينزوى بعيداً عنا أثناء صلاة الجماعة».

يسعدنى أن يحرص المدير على قيمة «الانضباط»، ويسعدنى كذلك أن «يقتنع» زيدان راضياً بتعاليم دينه الذى «يؤمن» به، لكن يزعجنى أننى ربما أضطر إلى قضاء وقت طويل، وبذل مجهود كبير، كى أشرح لأمى لماذا أنا منزعج كثيراً من الربط بين هذا وذاك ،وأنا أعلم أنها لا تمثل استثناء فى بلادى.

ومكمن انزعاجى سببان: أولاً، أنه يعلى من شأن التواكل، عندما لا يشرح فى الوقت نفسه ما قد يكون فى الصلاة من أسباب «علمية»، يمكن لها بالإضافة إلى الأسباب العلمية الأخرى التى لا علاقة لها بالصلاة، أن تساهم فى النهاية فى إحراز لاعب هدفاً أو هدفين أو ثلاثة. وثانياً، أنه يعتدى بصورة واضحة على الحرية الشخصية، فيشترط للانضمام إلى الشركة نوعاً محدداً من السلوك، لم تثبت له فى أى مكان فى العالم علاقة مباشرة بطبيعة الوظيفة، أو مستوى الأداء، أو النتيجة النهائية، بدليل سيطرة البرازيل وإيطاليا وألمانيا على كأس العالم، وليس بينهم مسلم واحد، بل إن بينهم من هم أيضاً ملحدون.

بل إننى أزعم أن فيه اعتداء من نوع آخر على الله وعلى الإسلام؛ فالله هو الذى اخترع «الديمقراطية» فى أبهى صورها، والإسلام هو الذى أتى فى النهاية كى يتهجى للبشرية حروفها فى أكمل صورة. ولو كان الله عز وجل يريد لزيدان أن يقف وراء أحمد حسن فى صلاة الجماعة، دون «ضغوط» حسن شحاتة، لكان من باب أولى استجاب لدعوات الرسول (صلى الله عليه وسلم) أن يهدى عمه، أبا طالب إلى الإسلام. ثم، أى حكمة فى أن تنزع عن الله عز وجل، حقه فى إصدار حكم «موضوعى» على واحد من عباده، بمصادرة «بديل الحرام» من يديه فيكون «مضطراً» إلى اختيار البديل الأوحد، «بديل الحلال»؟ لم يفعلها رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، لأنه يعلم أن المسلم الحقيقى هو الذى يرى الحرام متاحاً أمامه فيقرر طوعاً أن يتجنبه، وفى هذا قيمة أخرى عظيمة ينبغى أن يحرص حسن شحاتة عليها، وهى قوة الإرادة وثبات الشخصية.

لا نريد أن يقتدى بعضنا فى مصر ببعضنا الآخر الذين يعملون فى بعض الدول العربية، ويطلقون فجأة لحية الطاعة لا لوجه الله، بل لأن مدراءهم هناك يغبطون لذلك، ويسرقون من طاعة العبد لله طاعة العبد للعبد. لا نريد أن نكون ديوسين، ولا نريد أن نستغل بساطة شعب متدين بفطرته لتحقيق أغراض شخصية، فنحن أول من سيكتوى بنارها. الإنتاج بين أيدينا والدين بين يدى الله.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة