محمد حمدى

أيام مع الحكيم

الأربعاء، 20 يناير 2010 12:12 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى شهر فبراير الماضى وحينما عاقبنا رئيس مجلس إدارة الأهرام السابق الأستاذ مرسى عطا الله على كتابة الرأى خارج الأهرام، تطوع شاب جميل وأنشأ صفحة لى على "الفيس بوك"، وقال إذا تم منعك من الكتابة فى الصحف فلكتبت على الإنترنت، وشرعت فى كتابة بعض محطاتى خلال عشرين عاما فى بلاط صاحبة الجلالة تمهيدا لإصدارها فى كتاب.. ومن بين تلك المحطات المهمة التى أثرت فى كثيرا علاقتى بالدكتور محجوب عمر.

فى نهاية ثمانينات القرن الماضى وأثناء عملى فى صحيفة الشعب ذهبت إلى محافظة المنيا لإجراء تحقيق صحفى حول الجماعة الإسلامية فى المدينة وجامعتها، حيث جمعنى لقاء أول وأخير مع محمد الإسلامبولى شقيق خالد الإسلامبولى فى أرض المولد معقل الجماعة الإسلامية بالمدينة، كان الإسلامبولى يقف بين الآلاف من أنصاره زعيما لا يشق له غبار والكل يأتمر بأمره، وبعد اللقاء جلست أتجاذب أطراف الحديث مع أعضاء الجماعة ولفت انتباهى إعجابهم الكبير جدا بالكاتب الإسلامى الدكتور محجوب عمر الذى كان يكتب الصفحة الأخيرة فى جريدة الشعب.

حينما عدت إلى القاهرة أبلغت الدكتور محجوب عمر بإعجاب أعضاء الجماعة الإسلامية بكتاباته باعتباره كاتبتا إسلاميا مميزا، فضحك ضحكة ذات مغزى، فيما لم يعرف الإسلاميون المتشددون فى صعيد مصر أن من وصفوه بالكاتب الإسلامى هو مسيحى مصرى له أصول صعيدية، واسمه الحقيقى رؤوف نظمى، أما محجوب عمر فهو اسمه الحركى فى الحزب الشيوعى المصرى وفى حركة فتح التى انضم لها بعد ذلك!

محجوب عمر أو رؤوف نظمى ميخائيل عبد الملك واحد من أهم الناس الذين التقيتهم فى بداية حياتى الصحفية، وتعلمت منه الكثير، ولا أبالغ فى أنه ساهم بشكل كبير فى تشكيل شخصيتى، نشأ محجوب عمر فى حى السبتية، والتحق بالحركة الشيوعية فى سن صغير، قبل أن يدرس الطب، دخل المعتقل أكثر من مرة خلال العهد الناصرى وتعرض لتعذيب شديد، وخرج منه مرة أخرى عام 1967 إلى الجزائر، ليعمل فى مداوة جراح المناضلين الجزائرين ومنها إلى الأردن ليلتحق بصفوف حركة فتح ويصبح مناضلا فى حركة التحرر الوطنى فتح.

عاصر مذبحة أيلول الأسود التى أدت إلى خروج المقاومة الفلسطينية من الأردن إلى لبنان، وأصبح مفوضا سياسيا فى الحركة، حيث تركزت مهمته الأولى على تعليم الفدائيين الفلسطينيين والعرب تاريخ فلسطين منذ عام 1936، وأصبح أهم أعمدة ومفكرى وباحثى مركز الدراسات الفلسطينية فى بيروت الذى أغارت عليه إسرائيل فى الثمانينات، حيث شاهد رؤوف نظمى أصدقاءه يستشهدون بين يديه فى مشهد كانت دموعه تنهمر كلما تذكره.

عاد محجوب عمر إلى القاهرة فى عام 1986 تقريبا، حيث أسس قسم الشؤون العربية بجريدة الشعب، وأقام مركزا بديلا لمركز الدراسات الفلسطينية الذى دمره الإسرائيليون فى بيروت، ولم يتوقف عن الكتابة والدفاع عن القضية الفلسطينية، رغم إصابته بعدة جلطات أقعدته فى منزله فى المنيرة عن الحركة، لكن المرض لم يستطع الوصول إلى عقله وقلبه اللذين ظلا صامدين، ومنحته منظمة التحرير الفلسطينية أرفع وسام لديها وهو وسام القدس، تقديرا لدوره فى الثورة الفلسطينية وكفاحه من أجل تحرير فلسطين.

وحين نقل الرئيس الفلسطينى ياسر عرفات إلى باريس فى رحلته الأخيرة للعلاج، ذهبت إلى الدكتور محجوب أو الحكيم كما كنا نحب أن نناديه، لأكون إلى جواره فى هذه الساعات الصعبة التى يرقد فيها رفيق عمره أبو عمار بين الحياة والموت، كان واثقا أن أبو عمار سيقوم منها كعادته، لكن عرفات رحل ولم أستطع الذهاب إليه لتعذيته، فقد كان غياب القائد والصديق والرفيق هو أصعب لحظة يمكن أن يمر بها محجوب عمر.

وبين الحين والآخرى أشتاق إلى الحكيم الكاتب الإسلامى المسيحى الأرثوذكسى الصعيدى الشيوعى المناضل فى الثورة الجزائرية الفدائى فى حركة التحرير الفلسطينية، فأشبع شوقى إليه ببعض ما كتبه من شعر بالعامية:

على بابك يا ست.. أنا ع الباب
محسوبك وأنا.. من يومى وأنا
أشرق أغرب.. أبعد أقرب
أطلع جبال.. أنزل هنا
أرقد فى جوف الأرض للدود وانحنى
يقف على رأسى جحر يشهد على عشقى
محسوب ولد محسوب
للست والأحباب
وكأنه كان مكتوب
أطلع أنا المحسوب
من يومى وأكون ع الباب





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة