فى الوقت الذى تعانى فيه ميزانيات الثقافة، وتلجأ فيه الدولة لتقليل هذه الميزانيات تحت دعوى أن ما ينفق فى الثقافة خدمى، وليس له مردود وعائد مادى، وفى ظل الأزمة العالمية الذى تدفع الدولة لتقليص مثل هذه الميزانيات الخدمية يوجد ملف شديدة الخطورة والالتباس يجب أن يفتح على خلفية الفرضيتين السابقتين، هذا الملف هو الهيئة العامة لقصور الثقافة ومدى ما تقدمه تلك المؤسسة الضخمة بإداراتها وأقسامها المتشعبة بطول الجمهورية وعرضها، والسؤال الأهم الذى يجب أن يطرح فى البداية عن مدى قيام هذه الهيئة بما يفترض منها وما تتوقعه الدولة وما يتوقعه المواطن من هيئة خدمية. وقبل أن نفتح الملف الشائك نتسائل كيف لمؤسسة ثقافية خاصة وصغيرة الشأن والميزانية مثل ساقية عبد المنعم الصاوى، كيف لهذه المؤسسة الخاصة الصغيرة أن تؤدى دورا ثقافيا خدميا، وتحقق هوامش ربح ومكاسب تمكنها من الاستمرار فى العمل الثقافى، ولا تستطيع الهيئة العامة لقصور الثقافة تأدية ذات الدور وإحداث ذات التأثير فى الوقت الذى تصل فيه ميزانيتها إلى 250 مليون جنيه سنويا، حسب تصريح الدكتور أحمد مجاهد رئيس الهيئة فى مؤتمر أدباء مصر السابق الذى أقيم فى مدينة الغردقة، والجدير بالذكر أن ميزانية الهيئة هذا العام قد تخطت الرقم المذكور سابقا.
ما الذى يعطل هيئة كان موكولا إليها رعاية الثقافة الجماهيرية، وهكذا كان اسمها قبل أن تصير الهيئة العامة لقصور الثقافة، ما الذى يعطل دور الهيئة بكل ميزانياتها وموظفيها وإدارييها عن أداء مهامها؟
هل هو الفساد الإدارى والمالى؟ أم هى الأنشطة الصورية التى ينتظرها رؤساء الهيئة وينتظرها منهم النظام؟
أم أن النظام حدد مسبقا الدور المنتظر من هذه الهيئة وهو إعداد الكوادر الشبابية عبر صالون الشباب الذى يعقد بشكل دورى فى قصور الثقافة وبيوتها، والذى يترقى بحسب إرشادات النظام ليصير ملتقى الشباب الذى يجهز الشباب للالتحاق بجمعيات شباب المستقبل؟
أرى أن هذه الأسئلة جميعها مشروعة وتلح على فتح ملفات الهيئة ومسائلة القائمين عليها وإثارة قضايا تبدو شائكة منها عمليات التقييم التى يجب أن تتم لإصدارات الهيئة والتوزيع والتسويق فيها، ومخازن الهيئة الممتلئة عن آخرها بإصدارات ينفق عليها ملايين الجنيهات سنويا، وليس لها من عائد، وليس لها من قارئ حقيقى. هل يحق لنا أن نتساءل مع الدكتور أحمد مجاهد عن إدارات التسويق والتوزيع وإصدارات الهيئة التى لا توزع عشرات النسخ رغم أنها تطبع أسبوعيا مئات الآلاف من النسخ؟
المتابع عن قرب لأداء الهيئة العامة لقصور الثقافة يكتشف أنها لا تنشغل فعلا بالثقافة الحقيقية قدر انشغالها بالمهرجانات والضجيج الإعلامى، بينما هى فى الواقع تعانى من ترد ثقافى هائل.
هناك ملايين الجنيهات تنفق فى وزارة الثقافة دون عائد حقيقى، لا أقصد عائدا ربحيا؛ لأنها تعتبر وزارة خدمية، ولكن أقصد عائدا أدبيا وفكريا، والسؤال الأهم أين تنفق كل هذه الملايين التى تشكل ميزانية الهيئة؟
هل تنفق على مجلات لا توزع أكثر من 500 نسخة لكل منها مثل مسرحنا والثقافة الجديدة وقطر الندى؟ أم على فعاليات لا تؤثر بشكل حقيقى فى الشارع المصرى؟
من يذهب لمخازن الهيئة سيجد ملايين النسخ من مطبوعات الهيئة تلقى دون أن يلمسها أحد، فكل إصدار مما ذكرت يطبع على الأقل 10 آلاف نسخة ولا يوزع 05%، فأين هى إصدارات الهيئة من الشارع والقارئ الحقيقى؟
ولماذا لا يكون مستوى وعدد التوزيع هو المقياس لاستمرار هذه الإصدارات من عدمه؟
أم تنفق الهيئة أموالها على مؤتمرات ومهرجانات لا تحقق المرجو منها، ولقد أشار الأستاذ وائل السمرى فى مقال سابق له عن إهدار المال العام على مؤتمرات الهيئة وكتب أبحاثها، وأرى أنه آن الأوان للقائمين على الهيئة أن يفتحوا ملفاتهم بشفافية ووعى، ويحاسبوا أنفسهم ما الذى يتم إنجازه بالفعل؟ نتمنى أن يتبنى القائمون عليها ثقافة تقييم الأداء، وهل حققت هذه الملايين المهدرة العائد من ورائها أم لا؟
وهذا الكلام يجعلنا نخطو إلى ملف أكثر خطورة وهو ملف الفساد المالى فى الهيئة، والذى يثير العديد من التساؤلات حول النقود الكثيرة التى يتقاضاها بعض موظفى الهيئة، وعلى رأسهم رئيس الشئون المالية والإدارية بالهيئة، فهذا الرجل يتقاضى أرقاما فلكية لا يتقاضاها موظف آخر فى الهيئة، فهو يأخذ على سبيل المثال لا الحصر نصف إجمالى ما يتقاضاه من ميزانية مجلتى الثقافة الجديدة وقطر الندى اللتين تصدران عن الهيئة، وبحركة حسابية جهنمية يضاف نصف ما يأخذه لمرتبه ليرتفع الإجمالى العام للمرتب، وبهذا يرتفع نصف ما يأخذه فى المرة التالية، ناهيك عما يأخذ من ميزانية كل نشاط تتم صرف نقود له من أسوان حتى أقصى نقطة فى شمال مصر، فلا تصرف أى ميزانية لصغر بيت ثقافة فى الجمهورية أو أى نشاط ثقافى على مستوى الجمهورية إلا ويأخذ هذا الرجل المعجزة هو وموظفو إدارته المركزية نسبة من هذه النقود، فيتحصل فى نهاية كل شهر على أموال ضخمة، من المدهش والمثير للتساؤلات أن يتحصل عليها موظف بالدولة.
ومن هذه التساؤلات ما الذى يجعل الدكتور أحمد مجاهد رئيس الهيئة يسمح بمثل هذه الالتفافات على القانون المالى والإدارى؟ ومن صاحب العقل الجهنمى الذى وضع بند أن يتقاضى رئيس الإدارة المركزية للشئون المالية والإدارية، أن يأخذ نصف ما يتقاضاه من ميزانيات المجلات فى الهيئة حتى تصل مكافآته إلى أعلى من رؤساء تحرير هذه المجلات؟
والإجابة ببساطة أن هذا الرجل هو الذراع المالى لأى رئيس هيئة، إذا أراد منه رئيس الهيئة ميزانية لأى شىء عليه أن يدعك العفريت ويوجد له الميزانية المطلوبة ويسويها له بالطبع أمام الجهاز المركزى للمحاسبات، يحرك، وربما يتساءل أحدكم هل هذا الموظف الخارق لديه مصباح سحرى أو ما شابه؟!
وأجيب أن ليس لديه مصباح سحرى ولا يحزنون، فقط هو يقلل من هذه الميزانية، ويزيد من تلك، يحرك الميزانيات فى الهيئة حتى يقب ويغطس ويأتى للسيد رئيس الهيئة بما يريد من نقود، ويضبط له الوضع القانونى حتى لا يخر المياه على رأسه أمام محاسبى الجهاز المركزى.
إذن الموظف المذكور هو سمسار يسمسر من هذا ليضع بين يدى ذاك، فلما لا يصرف له رئيس الهيئة السابق الدكتور أحمد نوار وهو فى طريقه للرحيل عن الهيئة شيكا بمبلغ عشرة آلاف جنيه، وترى تحت أى بند تمت تسوية هذا الشيك؟
وهل يكتفى الأمر عند هذا الحد، أم أن للفساد المالى والإدارى فى الهيئة وجوها أخرى؟
نعم للفساد المالى والإدارى فى الهيئة أوجه وتجليات أخرى يدخل ضمن هذا الفساد مجموعة الموظفين الإداريين الذين يضعهم رئيس الهيئة فى مجلة الثقافة الجديدة ولا يأتون للعمل ولا يعرف أحد عنهم شيئا، فقط أسماؤهم تنير كشف المرتبات كل أول شهر ولكنهم لا يأتون، وكأنهم عهدة تسلمتها إدارة المجلة، ولا يستطيع أحد ولا حتى رئيس التحرير الاستفسار عن هذه الأسماء التى تنير كشف المرتبات، من هم؟ وماذا يعملون؟ وما دورهم فى المجلة؟
روائية وناقدة *
موضوعات متعلقة
إهدار المال العام بهيئة قصور الثقافة
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة