يوم غنّيتَ تلك الأغنية عن حبيبةٍ وقعتَ فى حبّها، تحت شمس مدينة دافئة، كنتُ أنا فى الخامسة، لا تفارق جوارب الصوف قدمى، ألفظ الراء واواً، أفرح بدواليب اليانصيب فى التليفزيون وإعلانات "النوغا"... وكنتُ كسيحة.
أنهكتنى الحمّى وشلّت قدمى، يقال إنّ السرير الأبيض ابتلع جسدى الضئيل، انحنوا فوقه وأخبرونى بتودّد مريب أن لى لوزتين فى حلقى، وأنّ الطبيب سيأخذهما لأنهما عفنتين ومتقيّحتين.
غضبتُ من شجرة اللوز التى نبتت فى بطنى تاركةً أغصانها تثمر فى فمى.. لكننى – أمانةً – لم أفهم ما هو القيح.
سألنى الطبيب عن اسمى واسم روضتى وبرفق مدّدنى فى البياض، فلم أرَ المشرط الذى كان يلمع خلف ظهره والذى سلخ به لوزتىّ.
الآن،
بعدما انتهت قصة حبك الرعناء تلك، وصار لك أولاد بعمر الجرح فى حلقى، وعشيقات بعدد ندبات ركبتى، أكيد أنك لا تذكر ملامح تلك الحبيبة، أو قبلة النهار التى قادتك إلى أن تصير ما أنت عليه، وأكيد أيضاً أنك لا تذكر أغنياتك القديمة...
الآن..
بعدما صام صوتك عن أغانى الحبّ، وصرتَ مجرد عجوز منهك، لا أفتقد أغنياتك أو حبّ السبعينات أو فساتين ماجدة ذات الجيبون... فقط أشتاق إلى لوزتيّ.
الآن..
بعدما صارت أغنيتك "من أرشيف الزمن الجميل"، وبينما أنا أمشى فى شوارع مدينتك التى لم تعد الشمس إلى الصفح عنها.. الآن أريد لوزتىّ.
أن أمدّ يدى فى جيب الفستان ذى "الشرائط الوردية" – الذى اهديت فى المستشفى تعويضاً عما أصابنى من ألم - وأستردّهما.
أن أمسك فرشاةً وأمحو صوراً كثيرة تصدأ فى سقف مخيّلتى.. أمحو اسمك ووجهك وفتنة حنجرتك.. أمحو أصابعك المنهكة وهى تضغط فوق جروحى البيضاء والسوداء منتشيةً لبكاء البيانو المكتوم.. أمحو أغنيات أنشدتَها فوق أجساد سقيمة، غير آبهة بأن يكون جسد طفلة فى الخامسة أحدها.
