سعيد شعيب

عشق الأكاذيب

الإثنين، 18 يناير 2010 12:18 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لم يكن أمامى حل سوى أن أقول لهم بصراحة، الاختيار لكم: إما أن أقول لكم الحقيقة كما أراها، أو أقول لكم أننى مضطهد فى بلدى وشرطة الحاكم المستبد تطاردنى أنا وأولادي، واطلب منكم حق اللجوء الصحفي، توفروا لى فرصة للكتابة، أو حق اللجوء السياسي؟
كنت القى محاضرة منذ حوالى شهرين فى مركز "باراليلا" فى مدينة تورينو بإيطاليا، تحت عنوان "مستقبل حرية الصحافة فى مصر"،وقبلها شاهدنا تحقيقا تليفزيونيا مع عدد من المعارضين المصريين. كانت خلاصة ما قالوه، أنه لا أمل، نظام ديكتاتورى يطارد معارضيه فى الشوارع، ويلقى بهم فى السجون، ويحرمهم من كل شيء وأى شيء.
فالمسموح به من قبل النظام الديكتاتورى الكلام فقط.. مجرد كلام وعلى حد تعبير أديب معارض، الحكومة تتركنا نقول ما نريد.. وهى تفعل ما تريد.
كنت أدرك أن هذه الصورة النمطية تعجب الغربيين، ناهيك عن أنها تمنح صاحبها الكثير من التعاطف والشهرة، ولكن المشكلة هى أن المعارضون الأربعة يقولون نصف الحقيقة ويبالغون فيها. نعم نعيش فى ظل نظام مستبد، ولكننا نقاومه، انتزعنا هامش حرية وحركة كبير، فسقف الحرية مفتوح إلى درجة انتقاد الرئيس وأسرته.. ناهيك عن أن التأكيد على عدم جدوى الكلام أكذوبة، فالصحافة ولأسباب كثيرة، أهمها سقف حريتها، هى التى تقود التغيير فى مصر، ليس فقط على المستوى السياسي، ولكن الاجتماعى والاقتصادى أيضا. ربما هذا ما جعل مخرجة التحقيق التليفزيونى كارولينا، تبدى اندهاشها، فقد شاهدت أفيش فيلم "الديكتاتور" الذى يتناول قضية توريث الحكم.
المغالطة الثانية هى تصوير مصر وكأنها فراغ تسيطر عليه عصابة مستبدة، وهذا غير صحيح، فنحن دولة عريقة، ولدينا مؤسسات، صحيح أنها معطلة إلى حد كبير بسبب سيطرة الحزب الحاكم، ولكنها تنمو تدريجيا بجهد المصريين، منها البرلمان والقضاء والصحافة والإعلام وغيرها.. فنحن لسنا مثل الحالة السورية أو الليبية، ففى هذا إجحاف وظلم.
ناهيك عن أن الصورة النمطية التى يغذيها هؤلاء المعارضون تحتقر المصريين، فهى ترسخ فكرة أن هناك نظام حاكم ومعارضوه، ثم لا شيء .. وهذه أكذوبة كبرى، فكل فئات المجتمع المصرى تقريبا تمارس حريتها على ارض الواقع، وليس فى الميديا فقط، احتجاجات سلمية من أسوان إلى إسكندرية يحصل من خلالها الناس على بعضا من حقوقهم المسلوبة، يناضلون من اجل إعادة توزيع الثروة والسلطة بطريقة عادلة. يناضلون من أجل ترسيخ ديمقراطية حقيقة وليست نظرية. منهم موظفى الضرائب العقارية، الذين حصلوا على بعضا من حقوقهم والآن يخوضون نضالا شرسا لتأسيس نقابتهم المستقلة وغيرهم وغيرهم.
الذين ينكرون هذا النضال أو يتعامون عنه، هم فى الحقيقة معزولين وفشله، لا يريدون تغيير أنفسهم وتغيير خطابهم السياسي، لا يريدون الالتحاق بهذا الزخم الهائل من الاحتجاجات.. ربما لأن معظمهم لا يريد سوى شارة "المعارض" التى تمنحه بطولة زائفة وشهرة لا تدوم.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة