محمد حمدى

المواطنة .. أسلوب حياة

الإثنين، 18 يناير 2010 12:18 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حين طلب منى الصديق العزيز سامح فوزى نائب مدير منتدى الحوار بمكتبة الإسكندرية المشاركة قبل عدة أشهر فى ورشة عمل بعنوان جيل الوسط رؤى للمستقبل وخصنى بالحديث عن المواطنة قدمت ورقة بسيطة دارت حول رؤيتى للمواطنة والتى لخصتها فى عبارة أن تتحول إلى أسلوب حياة نعيشه ونتنفسه جميعا.

وضربت مثالا بالأسكندرية التى جسدت المواطنة كأسلوب حياة خلال القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، حينما كانت مدينة مفتوحة يعيش على أرضها الكثير من الأجناس وأتباع الديانات المختلفة.. تمتعوا بكافة الحقوق، وأدوا كافة الواجبات فضربت الإسكندرية مثالا حيا للمواطنة كأسلوب حياة قائم على التساوى وعدم التمييز بين الناس بسبب العرق أو الدين أو اللغة.

لكن للأسف الشديد لم يكتب لهذه التجربة أن تستمر، ولم تعد نموذجا للتنوع والتعايش وأصبحت تعانى من مظاهر مختلفة للتميز وتراجع قيم المواطنة التى انتقلت من حالة العرف غير المكتوب إلى نص واضح وصريح فى المادة الأولى من الدستور المصرى.
وحسب التعريف البسيط للمواطنة فإنها تعنى العقد الذى يربط المواطن بالوطن، فيحدد حقوق المواطنين وواجباتهم نحو وطنهم.. وجاء هذا المفهوم نتيجة اجتهاد بشرى طويل امتد ألاف السنين لبلورة العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وبين الوطن والمواطن، ومنذ عرفت البشرية الحاكم الإله او الفرد المطلق وهى تبحث عن وسائل مبتكرة لنزع هذه الألوهية والوصول إلى علاقة تعاقدية بين الطرفين، وأمام تطور المجتمعات وتعقد أشكالها وتركيباتها السكانية من قبيلة يشترك جميع أفرادها فى الكثير من المشتركات، إلى فكرة الدولة الوطنية متعددة الأعراق والديانات والثقافات نشأت الحاجة الماسة إلى أسلوب حياة جديد يحتوى هذه الخلافات ويصهرها فى بوتقة واحدة ليست دينية أو قومية وإنما وطنية ومن هنا نشأت الدولة الوطنية وتحولت المواطنة إلى أسلوب حياة ينظم علاقات البشر المختلفين أو المتعددين داخل الدولة الواحدة.
خمسة مشاهد ذات دلالات متعددة:
1- فى عام 1977 وفى عزبة داوود يوسف التابعة لمركز سمالوط بمحافظة المنيا تبرع المواطن المسلم عبد الجواد سليمان بمائة متر من أرض يملكها لأهالى العزبة من المسيحيين ليقيموا بها صلاواتهم، وظلت هذه الأرض فى حوزة مسيحيى القرية حتى عام 2006 حينما طلب نجل صاحب الأرض استعادة أرضه التى تبرع بها والده من قبل لجيرانه المسيحيين.
وفى عام 2009 توترت العلاقة فى القرية بين الملسمين والمسيحيين ورفض بعض السكان قيام القس إسطفانوس شحاته نجيب الكاهن بمُطرانية سمالوط بتحويل جزء من بيته إلى دار مناسبات لمسيحيى القرية يقيمون فيها جنازاتهم ويؤدون فيها شعائرهم... وهذا يدل على غياب الحق فى ممارسة الشعائر الدينية من ناحية، وعلى تغير العلاقة بين المسيحيين والمسلمين من تبرع مسلم بقطعة أرض لإقامة الشعائر المسيحية إلى رفض مطلق للقيام بهذه الشعائر.. وحتى تصبح المواطنة أسلوب حياة ينبغى فض هذه الإشكالية التى أصبحت سببا دائما فى التوتر بين المسيحيين والمسلمين وهو ما يستدعى تشريع قانون دور العبادة الموحد.
2- حسب قانون العقوبات لا تعد ممارسة الزوج للزنى خارج منزل الزوجية جريمة، أما الزوجة فتعتبر مرتكبة لجريمة الزنا سواء كانت داخل المنزل أو خارجه . .ووفقا لقانون العقوبات فإنه اذا ارتكبت الزوجة جريمة الزنا فانها تعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين فى حين ان الزوج اذا ارتكب ذات الجريمة يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر. ويمثل هذا النص القانونى دليلا واضحا على عدم المواطنة المتساوية بين الرجل والمرأة ليس كأسلوب حياة بين الناس، وإنما أيضا من وجهة نظر القانون الذى يفترض به أن يكون واحدا ولا يميز بين الرجل والمرأة حسب النوع.
3- فى الفلكور المصرى أغنية شهيرة يتناقلها المصريون من جيل لجيل تقول:" ولما قالوا ده ولد.. اتشد ظهرى واتسند.. ولما قالوا دى بنية اتهد ركن البيت عليا" وهى تتردد بمعانى مختلفة فى أماكن عدة داخل مصر.حيث ينشأ الناس من المهد إلى اللحد على ثقافة تفرق فى النوع بين الولد والبنت تتعدد اشكالها ومظاهرها، وقد تختلف من بيت لأخر لكنها تمثل حالة شبه عامة فى المجتمع المصرى.
4- تظهر بيانات وزارة الاستثمار أن عدد الشركات الجديدة التى تم تنفيذها خلال التسعة أشهر الأولى من العام المالى 2008/ 2009 بلغت 273 شركة فى المحافظات الحدودية، و351 شركة فى كل محافظات الصعيد مقابل 1794 شركة فى محافظة القاهرة وحدها... تظهر هذه المؤشرات غياب التنمية المتوازنة بين المحافظات والمناطق المصرية مما يعنى أن فرص العمل والتكسب والحياة تتراجع كلما بعدنا على القاهرة مما يعنى تمييزا اقصاديا للعاصمة وسكانها على حساب باقى الوطن.
5- رفضت لجنة شئون الأحزاب هذا العام وللمرة الرابعة على التوالى طلب تأسيس حزب الوسط، بعد ان أمضى مؤسسو الحزب 13 عاما بين لجنة الأحزاب والمحاكم للحصول على حق تأسيس حزب سياسى.. يعنى هذا أن الحق فى التعبير السياسى عن الرأى داخل الأطر الحزبية الشرعية لا يزال محجوبا عن بعض فئات الوطن مما يعنى أن المواطنة فى صورتها السياسية لا تزال غائبة أو على الأقل غير مكتملة.
وإذا كنا جادين فعلا فى تحويل المواطنة إلى أسلوب حياة فإن هذا الطريق الصعب يبدأ عبر التعليم والإعلام عبر عدد من المقترحات هى:
1- إلى جانب مادة الدين الإسلامى أو المسيحى التى تدرس لأتباع كل دين لابد من وجود مادة مشتركة يدرسها جميع التلاميذ عن تاريخ الأديان وفلسفتها لتوصيل رسالة مفادها أن جميع الأديان فى النهاية هى رسالة سماوية تحض على الأخلاق الفضيلة والتعايش والتسامح بين الناس.
2- إذا كانت اللغة العربية فى مراحل التعليم المختلفة تحتوى نصوصا قرأنية فلابد أيضا أن تحتوى نصوصا من الإنجيل، حتى ينشأ الأطفال على حقيقة أن الأديان متساوية ولا تفضيل لدين على أخر كما يحدث الآن.
3- لابد من تضمين المواطنة وحقوق الإنسان فى كافة السنوات الدراسية التى يدرسها التلاميذ بشكل مبسط ومن خلال الواقع الذى يعيشونه للقضاء على كافة أشكال التمييز فى المجتمع.
4- الإيمان بأنه لا يمكن تحويل المدرسة إلى وحدة للتعايش والتدريب على المواطنة كأسلوب حياة دون تدريب المعلمين عليها من الأساس ومن هنا يأتى أهمية تنظيم دورات لكافة المدرسين عليها فى أكاديمية المعلم، وأن يختبر فيها المعلمون مع اختبارات الكادر التى أصبحت شرطا للترقى الآن.











مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة