على سيد على

ابنى يستحقُ الموتَ

الإثنين، 18 يناير 2010 07:30 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أعلم أنك لن تقرأ كلماتي، لأنك لن تبقى حيًا أكثر من يومين، فالموت ينتظرك، رغم كل محاولاتك للبقاء، ولكن حسبك شرف المحاولة، وحسبك أنك حيرت عقول الأطباء الذين قرروا أن موتك بعد ساعات، ولكنك لا تزال تحيا لليوم الخامس، ولا تزال تقاوم. وبرغم أنهم يستطيعون إنهاء حياتك بسهولة، إلا أنهم ينتظرونك أنت لتقرر النهاية بنفسك، وربما تعمدوا ذلك ليروا إلى أى مدى سيصل عنادك، ورفضك للموت.

يكفيك فخرا يا بني، تميزك بين أقرانك، وأنك أجبرتنى وأجبرت الكثيرين على احترامك، وأقنعتهم بأنك تستحق الموت، فآلاف السيدات وربما الملايين مررن بتجربة عدم اكتمال الحمل ونزول الجنين فى شهوره الأولى، فيطلقون عليه لفظ "سقْط"، والسيدة "سَقَّطت" فلا يتم ذكر الموت، وكأن من تكوّن فى بطن المرأة لم يكن مشروعًا لإنسان، وكأنه لم يكن يحيا ليستحق لفظ الموت.

حالتك فى تقرير الطبيب كالتالي: جنين عمره 18 أسبوعًا، انتهت أسباب حياته فى بطن أمه؛ نتيجة فقد كلى للكيس المائى الذى يتنفس من خلاله، وينتظر موته خلال ساعات لإجراء عملية الإجهاض.

لكن الساعات تمر، ولا تزال حركتك قائمة، فتحسبها أمك نفضة الموت، ويأتيك الطبيب، فيشاهد حركتك فى الإشعة التلفزيونية، فيقول: "غريبة" ويتركك. ثم يأتى فى صباح اليوم التالي، فيجدك على الحالة نفسها، فيحدث نفسه: "معقولة؟"، وفى اليوم الثالث يتبادل نظرات الدهشة مع الممرضة، وفى الرابع يقول الطبيب إن زملاءه يجرون عملية الإجهاض بمجرد نزول المياه ويخرجون الجنين حيا ليموت بين أيديهم، ولكنه يفضل انتظار موت الجنين فى بطن أمه.

وأنا أرجح، يا بني، أنه لم يفعلها احتراما لك، ولمحاولاتك للبقاء، وأنه سينتشى أكثر عندما تستمر مغامرتك لأطول فترة ممكنة، ليحكى عنها لزملائه الأطباء، وربما تصبح حالة يدرسها لطلابه فيما بعد.

أرأيت يا بني، كيف ستكون مؤثرًا بشدة فى أناس يحيون فى الدنيا، برغم عدم رؤيتك لها. هل تعلم يا بنى أن مغامرتك فى الموت جعلتنى أشعر أمامك بأننى "تافه" وأنك "أرجل" مني، فعلى الأقل، أنت فعلت شيئا يستحق الذكر. أما أنا ففعلت أشياء كثيرة فى الحياة أخشى من ذكرها، ولكنى أعدك يا بني، من الآن فصاعدا، بأنى سأعامل أمك الطيبة معاملة تليق بأم شهدت احتضار طفلها بأحشائها لمدة أسبوع، وأن أحاول أن أصنع من شقيقك الأكبر رجلا أفضل من أبيه، وعندما سألقاك فى العالم الآخر، ربما سنتبادل أطراف الحديث، ونتسامر كأصدقاء، ووقتها سأحكى لك عما كان يحدث فى الدنيا، وبالتأكيد سأسألك: لماذا كنت تصر على البقاء إذن؟





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة