" أنا إن قدر الإله مماتى …………….. لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدى "
تلك الكلمات التى كتبها شاعر النيل حافظ إبراهيم تحت عنوان "مصر تتحدث عن نفسها " لتعبر عن مدى أهمية مصر وقدرها فى الشرق كانت ولا تزال محفورة فى قلوب وعقول المصريين والعرب على السواء بعد أن شدت بها كوكب الشرق أم كلثوم.
لكن للأسف ما تشهده مصر تلك الأيام لا يمكن أن يسمى تحت أى مسمى آخر سوى أن "مصر تحرج نفسها" ففى الأيام القليلة الماضية احتل موضوع (الجدار الفولازى) والذى تم الكشف عنه عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية رأس اهتمامات ليس السياسيين فقط بل وجموع الشعب ليثير الكثير من الجدل والنقاش بين مؤيد ومعارض فى الداخل والخارج العربى والخارج الدولى.
لكن ما أراه وأتصوره أن القضية لا تكمن فى الجدار نفسه ولا فى شرعية بناء هذا الجدار من عدمها ففى الوقت الذى يؤيد فيه البعض بناء الجدار لأنه مصدر خطر وتهديد سافر للأمن القومى يملكون جانبا من الحق فهذا بلفعل الواقع لما قد يمر من خلال الأنفاق من أشياء لا نعلم عنها أى شىء نجد على الجانب الآخر أن من يعارض هذا الجدار يرى أن بتلك الطريقة سيتم خنق الفلسطينيين بشكل تام قلن يصل لأهل غزة أيا من تلك المساعدات التى يتبرع بها البعض من دواء وغذاء ولا تجد طريقا لها فوق الأرض لتسلك الطريق الأخر تحت الأرض، أما عن تصورى الشخصى أن الأمر بدأ مع اتفاقية كامب ديفيد والتى لا أقف أمامها معارضا أو مؤيدا فالمبدأ فى حد ذاته لا اعتراض عليه، ولكن ما حدث هو اتفاق تم بين ( السادات ) وإسرائيل لتخرج ببعض الشروط التى تكبح جماح مصر وتجبرها على الاستسلام لشروط لا يدرى من وقعها من الجانب المصرى مصيرها على المدى الطويل والتى جعلت مصر تصدر وبكل صلف الطاقة (الغاز الطبيعى) لإسرائيل وبأقل من السعر العالمى فى الوقت الذى تمنع فيه المساعدات عن أهالى غزة ولم تكتفى مصر بذلك فلم تحاول القيادة السياسية أن تجهز أجندة داخلية للتعامل مع الوضع الجديد من ( المحبة والسلام بينا وبين إسرائيل) بل أخرجت مصر من الساحة الشرق أوسطية تماما ونهائيا بعد أن كانت المحرك الرئيسى لفترة تجاوزت العقدين لتصبح مصر أمام نفسها وأمام العالم أجمع صاحبة سياسة ( رد الفعل ) لا (الفعل) وأصبحت تحركات مصر فى المنطقة محدودة فى ظل هيمنة أمريكية للمنطقة ساهمت فيها الدول العربية فى ظل حرص كل القادة للحفاظ على مناصبهم وملكهم.
هذا كله أدى بمصر أن تكون بعيدة عن إحراز أهداف تخدم العروبة أو القضية الفلسطينية فى ظل غياب أجندة داخلية تحدد أهداف السياسة الخارجية المصرية وآلية عملها ومن يزعم أنى غير مطلع أو مدرك لما تقوم به الخارجية المصرية من جهود فهو خاطىء لأن كل الدلائل تشير إلى خلل كبير فى السياسة الخارجية المصرية فلن أنسى أبدا مشهد إلقاء الوزير " أحمد ماهر " بالأحذية بالقرب من الحرم القدسى ولن ينسى أحد كل تلك المظاهرات التى قام بها العرب وغيرهم أمام السفارات المصرية فى كثير من العواصم ليس العربية فقط بل والآوروبية أيضا كل هذا يشير إلى خلل المنظومة وعدم وعى القيادة السياسية بـ "الأمن القومى" الذى يتشدق به البعض الأن فعندما يهان المصريون فى الكثير من البلاد وترفع ضد سفاراتنا شعارات الغضب فهناك ما يقول أن القائمين على القرار السياسى لا يخدمون مصر على النحو المرجو منهم.
وأرجع لموضوع الجدار الفولاذى فما تقوم به مصر الأن (رد فعل ) لخطر قائم فى الوقت الراهن ما كان ليحدث هذا الخطر منذ البداية لو أن مصر كانت صاحبة ( الفعل ) فبعد أن جرت الانتخابات الفلسطينية والتى شهدت فوز حماس كان يجب أن يكون لمصر بقدرها وثقلها التاريخى ودورها المؤثر فى الصراع أن يكون لها ألية مصرية خالصة للتعامل مع الموقف الجديد لا الانضمام إلى جموع العالم الذى رفض الديمقراطية - والتى أشرف عليها المجتمع الدولى بنفسه لضمان نزاهتها – فلم يكن مطلوبا أبدا أن يتم التعامل مع حماس بهذا الشكل وإن كنت شخصيا ضد سياسة الحركة فى بعض المواقف وضد أغلب ما يحتوى عليه فكر الإخوان المسلمين – والتى تنتمى إليه حركة حماس – إلا أنى أرى أن ما حدث هو التضييق على حماس وحصارها وشلها حتى ينقلب الفلسطينيين عليها ولما لم يحدث ذلك شهدت الساحة الفلسطينية صراعا سياسيا انتهى بالانقلاب العسكرى "المنطقى" لوضع سياسى شاذ من نوعه ليصبح الأمر بعد ذلك هو أن (الفلسطينيين أنفسهم لا يتفقون فلما تشغل مصر بالا لمن يعارض الجدار) كما يدعى أنصار الهجوم على فلسطين دوما ولكن الحقيقة ان غياب فاعلية الدور العربى والمصرى خاصة أدى بالوضع الفلسطينى لما هو عليه فالأنظمة العربية مجتمعة بسياساتها الخارجية البعيدة عن البحث عن الصالح العام والتركيز على تثبيت العروش تحت حاكمينا أدت لما نحن فيه من شقاق وخلاف حول أمرين كلاهما "حق".
* طالب بالفرقة السادسة – كلية الطب - جامعة طنطا