أعتقد أنه لكى نخرج من مستنقع الفتنة الطائفية ومن دوامة الفوضى والتناحر الطائفى التى من الممكن أن تقودنا إلى المجهول أن نرفع رؤوسنا من الرمال، وأن نضع حلا ناجعا لموضة التحريض القادمة من الخارج وللأفكار الشيطانية التى تروجها الأفاعى والثعابين المتربصة التى تنتهز وقوع أى حادث، حتى تخرج من جحورها وتبث سمومها الفتاكة لإيقاظ نار الفتنة النائمة التى إن اشتعلت لن تبقى ولا تذر، وبين لحظة وأخرى قد نتحول إلى لبنان أو عراق آخر وبالطبع هذا ما تتمناه القوى الاستعمارية المتربصة بمصر التى تريد إقامة قواعد عسكرية لها فوق أراضينا وتقسيمها إلى دويلات وساعتها لن يفيد البكاء على اللبن المسكوب.
والفتنة يجب أن يتم وأدها من المنبع وأقصد بالمنبع هنا البيت، حيث يجب على كل مصرى مسلم كان أم مسيحى منح الحرية لأولاده فى مصاحبة الآخر فمثلا لا يقوم مسلم بنهر ابنه لقيامه باستعارة قلم من زميل مسيحى ولا يضرب مسيحى زوجته لأنها تصاحب مسلمة محجبة ولا يقوم آخر بنهر ابنه لأنه اشترى حلوى من بقال مسيحى، وأن يترك النشء على طبيعته ولا نغرس فى النشء كره الآخر والتربص به، وفى هذا الحالة ستسير الأمور بشكل طبيعى وسيكون رد الفعل طبيعى وفى إطاره الصحيح، لأن الشحن المعنوى ضد الآخر والترهيب النفسى منه هو الوقود الذى يشعل نار الفتنة ويفجرها.
وأعتقد أيضا أنه قد آن الأوان لكى يتحرك رجال الدين المسلم والمسيحى لوأد نيران الفتنة بعيدا عن الأسطوانات المشروخة.
والسيناريوهات المقززة والمشاهد المملة التى تتمثل فى تبادل الزيارات والأحضان والقبلات والتقاط الصور والدنيا ربيع والجو بديع ويحيا الهلال مع الصليب.؟
كما ينبغى غلق كافة الجحور أمام أفاعى الفتنة الذين يرددون أن الأقباط هم أصحاب الأرض، وأن المسلمين غزاه محتلين جاءوا مع الفتح الأسلامى وأصبحوا أغلبية، وأصحاب الأرض أصبحوا أقلية مضطهدة ناسين أو متناسين أن هناك أقباطا اعتنقوا الإسلام وأن الإسلام أوصى بالأقباط خيرا فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (من آذى ذميا فقد آذانى، ومن آذى ذميا فأنا حجيجه يوم القيامة)، وقوله سبحانه وتعالى (أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فسادا فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا).
ولوأد نيران الفتنة يجب عدم الالتفات إلى الأفكار الشيطانية الواردة من الخارج وعدم الاستقواء بالغرباء والدخلاء لأنه لا قدر الله إذا اشتعلت نيران الفتنة لن يحترق بنارها إلا من يعيش داخل مصر أما هؤلاء الدخلاء المتاجرون بالقضية فلن تطولهم النيران، لأن كل ما يهمهم هو الظهور الإعلامى والمتاجرة بالقضية وعقد المؤتمرات والندوات وتلقى الدعم والمنح والمساعدات ولتذهب مصر وأهلها إلى الجحيم.
كما يجب وعلى الفور وضع حد لفضائيات وشيوخ وقساوسة الفتنة بحيث لا يظهر أى رجل دين مسلم أو مسيحى إلا بعد موافقة الأزهر والكنيسة، ولا يتم فتح الباب على مصراعيه ليدلوا كل شيطان مريد بدلوه وينسج تفسيرات من خياله وخزعبلات، ويتفتق ذهنه المريض عن أفكار مغلوطة وهدامة يسندها زورا وبهتانا إلى الأديان السماوية التى تدعوه إلى المحبة والسلام والتراحم والمودة.
وهنا يجب أن تتحمل الدولة الذكية والحكومة الإلكترونية مسئوليتها وأن تضع الأمور فى نصابها الصحيح ولتذهب إلى الجحيم التصريحات الذكية الممقوتة التى لا تسمن ولا تغنى من جوع، ولا تحيى الموتى على غرار (ما حدث عمل إجرامى لا يمت للدين بصلة)، و(لن ينال من وحدة شعب مصر بمسلميه وأقباطه)، و(أياد خفيه تريد إشعال نيران الفتنة)، وعلى الحكومة الذكية أن تودع الشعارات، وأن تبدأ حملات توعية مكثفة عن قضايا التسامح وقبول الآخر، وإعداد برامج إعلامية وتعليمية ونشرها فى المدارس والجامعات ومراكز الشباب، وتوقيع عقاب رادع على كل مواطن يردد عبارات أو يروج أفكار من شأنها النيل من وحدتنا الوطنية.
والخوف كل الخوف أن نتعامل مع أحداث الفتنة الطائفية كالتعامل مع حوادث القطارات التى تبدأ بالزيارات الميدانية والخطط المستقبلية والتصريحات الوردية بأن الحادث لن يتكرر مستقبلا وبعدها تصحو مصر بأسرها على حادث قطار جديد يودى بحياة العشرات من الأبرياء من أبناء الشعب المطحون، وأتمنى أن تعالج أحداث الفتنة الطائفية بشكل مغاير حتى لا يحدث مالا تحمد عقباه، وساعتها لن تنجح التصريحات الوردية الذكية فى وقف غليان نيران الفتنة فى الصدور.
وللحقيقة أقول إن الجهاز الأمنى فى مصر يبذل أقصى ما فى وسعه، ومن الظلم أن نلقى ملف الأحداث الطائفية على كاهله وحده، ويجب أن تساهم كافة مؤسسات الدولة فى رأب الصدع التى تتعرض له الوحدة الوطنية.
وأنصح الحكومة الذكية باستبعاد الوجوه الممقوتة التى تساهم فى اتساع الهوة بين المسلمين والأقباط، وأن تستعين بالقيادات الطبيعية بالمحافظات المختلفة التى صنعت مكانتها فى قلوب الناس بالحب، وليس بالتملق والنفاق كمشايخ القبائل وأساتذة الجامعات والعمد والمشايخ المشهود لهم بالنزاهة، كما يجب أن يعود منصب العمدة بالانتخاب حتى نعود إلى الزمن الجميل ونجد عمد قادرين على وأد الفتنة فى مهدها ولهم كلمة مسموعة يحترمها الجميع وليس العمد خيال المآتة الذين لا يحركون ساكنا، وأصبح وجودهم كعدمه.
وتبقى كلمة لا بد منها ألا وهى أن الفشل المدوى الذريع فى تحقيق طفرة تنموية حقيقية وانتشار الفقر والجوع والبطالة فى ربوع مصر وفى الصعيد بشكل أكثر ضراوة، وراء تصاعد موجة العنف، وأعتقد أن الكمونى والقرشى اللذين قاما بتنفيذ العملية الدنيئة فى نجع حمادى يعيشان فى ضنك من العيش ولا يجيدان قوت يومهم، ولو نالوا قسطا أوفر من التعليم أو كانوا يعيشون فى رغد ما كانوا أقدموا على هذا الفعل الجبان الذى يعد انتحارا والذى لا يقوم به إلا مجنون أو غير راغب فى الحياة.
وهناك سؤال برىء لابد منه وهو أين المادة الجديدة التى تم إضافتها للدستور المصرى التى تسمى بالمواطنة؟ وهل هى مكسوفة لا تريد أن يرها أحد وأعتقد أنها ستظل حبرا على ورق فى ظل حكومتنا الذكية.
• مساعد مدير تحرير الأهرام المسائى
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة