قبل سنوات حين توصلت الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان لاتفاق إعلان مبادئ بينهما فى مدينة ماشاكوس الكينية كتبت كتابا حمل عنوان "أسياد وانفصاليون" تتبعت فيه كل الخيوط التى تجمعت لتقود جنوب السودان للانفصال عن شماله فى الاستفتاء المقرر لتقرير المصير العام القادم.
وكنت وما زلت أرى أن السياسيين فى شمال السودان وجنوبه أجرموا فى حق بلدهم وساهموا جميعا فى نشر ثقافة الانفصال فى الجنوب، وحولوا مطالب الجنوبيين العادلة فى المساواة عبر حكم ذاتى إلى مطلب ملح فى الانفصال، وحين بدا لهم عدم القدرة على التعامل مع الواقع كرسوا ثقافة تقرير المصير ومن ثم الانفصال.
هكذا قبل ست سنوات كان فى السودان أسياد وانفصاليون، لكن يبدو أن إقتراب ساعة الانفصال أبرزت الوحدويين والمواطنيين على حساب السادة والانفصاليين، وهو ما بدا فى الترشيحات لانتخابات رئاسة الجمهورية المقرر إجراؤها فى أبريل المقبل حيث قرر حزب المؤتمر الشعبى المعارض برئاسة الدكتور حسن الترابى ترشيح أمينه العام الجنوبى المسلم عبد الله دينق ديال، وترشيح الحركة الشعبية رئيس كتلتها البرلمانية المسلم الشمالى ياسر عرمان للرئاسة أيضا.
فى الأوساط السياسية السودانية قناعة كبيرة بأن الجنوبيين سيختارون الانفصال عن الدولة فى استفتاء العام القادم، لذلك طرح البعض فكرة ترشيح جنوبى لرئاسة البلاد فى الانتخابات التى تسبق استفتاء تقرير المصير بعام لعل ذلك يغير ويبدل توجهات المواطنيين الجنوبيين.
وكان من بين المقترحات التى جرى بحثها بين الساسة السودانيين ترشيح النائب الأول للرئيس ورئيس حكومة الجنوب سيلفا كير كمرشح للمعارضة تلتف حوله ضد الرئيس عمر البشير، لكن هذا الاقتراح رغم وجاهته اصتضدم بفكرة أن السودان الذى يمثل الملسمون أغلبية سكانه قد لا يصوتون لرئيس مسيحى من الجنوب، وقد يؤدى هذا الترشيح إلى مشاكل أكثر مما يقدم من حلول.
أما الترشيحات الجديدة فإنها تتسم بواقعية وتراعى التركيبة العرقية والدينية المتعددة فى السودان فياسر عرمان مسلم عربى من الشمال، وينتمى لقبيلة الجعليين التى ينتمى إليها أيضا الرئيس السودانى عمر البشير وكبار قادة الدولة، وهو فى نفس الوقت متزوج من ابنة زعيم منطقة أبيى الغنية بالنفط الناظر دينق مجوك والد مهندس اتفاقية السلام فرانسيس دينق، وتمت زوجته بصلة قرابة للدكتور لوكا بيونق وزير الرئاسة بحكومة الجنوب، ووزير الخارجية السودانى دينق ألور.
أما مرشح حزب المؤتمر الشعبى عبد الله دينق ديال فهو مهم أيضا، لأنه من منطقة بور بجنوب السودان التى ينحدر منها جون قرنق مؤسس الحركة الشعبية لتحرير السودان، وينتمى لأسرة كبيرة بالجنوب، تتكون من مسلمين ومسيحين ودرس بالأزهر، وله علاقات ممتدة مع مصر.
وهكذا ترشح الحركة الشعبية الجنوبية مرشحا من الشمال للرئاسة، ويرشح المؤتمر الشعبى الشمالى مرشحا من الجنوب، لأن الهدف الرئيسى الذى وصل إليه السياسيون السوانيون هو ضرورة الحفاظ على وحدة بلادهم.. لكن المهم ألا يكون هذا الوصول جاء متأخرا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة