◄◄ مصطفى بكرى: انتقاد أداء الحكومة من صميم عمل الجهاز
عندما اتهم المستشار جودت الملط رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات الحكومة بفقدان الشفافية، وقال إن المواطنين فقدوا الثقة فى الحكومة، وطالب الملط بالفصل بين الحكومة والحزب، مؤكداً أن دوره هو الرقابة على أداء الحكومة، بينما المفروض أن السلطة التنفيذية والتشريعية دورهما هو تحويل المخالفات للنيابة.
فى المقابل اتهم أحمد عز رئيس لجنة الخطة والموازنة وأمين تنظيم الحزب الوطنى الملط، بأنه يتحدث بكلام سياسى، بينما يجب أن يقدم أرقاما وبيانات فقط. ورد الدكتور نظيف بشكل غير مباشر على اتهامات الملط وحاول أن يشير لإنجازات الحكومة وارتفاع نسبة النمو، وكان يرد على كلام الملط بأن الناس لا تشعر بثمار التنمية.
الجدل بين رئيس جهاز المحاسبات وكل من عز ونظيف، كشف عن اتفاق الحكومة والحزب، وأيضاً طرح سؤالا عن حق رئيس جهاز المحاسبات فى الحديث بأمور سياسية، وترديد كلام يعبر عن المواطنين.
المراقبون قالوا إن الملط يترجم بلغة سياسية ما تحويه تقارير الجهاز من أرقام، وإن من حقه التعبير عن رأيه، لأنه بالرغم من كونه يرأس جهازا للدولة كما أكد، فإنه يمثل المجتمع والدولة وليس الحكومة.
وأن السياسة ليست تهمة، خاصة وأن عز يصادر حق رئيس جهاز المحاسبات، بينما الحزب والحكومة يتحدثان طوال الوقت بكلام سياسى، فضلا عن كون رئيس جهاز المحاسبات يقول كلاماً يطرحه خبراء ومواطنون. ويفترض أن يكون حديثه كاشفا لنقاط الضعف فى الجهاز الحكومى.
وبالتالى فإن المواجهة بين رئيس جهاز المحاسبات المستشار جودت الملط وأحمد عز رئيس لجنة الخطة والموازنة فى البرلمان الإثنين الماضى لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، بل هى مقدمة للمواجهةٍٍٍٍ الكبرى تحت القبة خلال الجلسة العامة فى شهر مارس. وكل طرف يجهز ما لديه من أدلة تؤيد وجهة نظره، ويكسب بها المعركة، خاصة أن ما يقوله الملط لايستمد قوته من معانيه، لكن لأنه جهاز يتبع رئيس الجمهورية ومحسوب على النظام وليس من حزب أو تيار معارض كما حرص الملط على التأكيد.
ثم إن العديد من نواب الأغلبية يحترمون المستشار جودت الملط وأغلبهم يرى صحة ومصداقية ملاحظاته، لكنهم يضعون اعتبارا لأمين تنظيم الوطنى ورئيس لجنة الخطة والموازنة أحمد عز، الذى يملك سلطة فى اختيار مرشحى الوطنى فى الانتخابات البرلمانية والتجديد النصفى للشورى، وبالتالى فإن نتيجة المواجهة محسومة لصالح الحزب.
المعروف أن المستشار جودت الملط أحيا سنة كانت قد اختفت من مجلس الشعب لسنوات، وهى أن يستخدم حقه فى إلقاء بيان أمام مجلس الشعب، وهو حق تجاهله أو تخلى عنه رؤساء الجهاز السابقون. حيث لا يوجد نص قانونى أو دستورى يؤكد حق رئيس الجهاز فى إلقاء بيان أمام مجلس الشعب، لكن قبل الثورة كان مجلس الشيوخ يعقد جلسة لمناقشة الحساب الختامى، واشتكى النواب من عدم فهم التقرير، وألقى رئيس ديوان المحاسبة وقتها بيانا أمام مجلس الشيوخ، ومن وقتها أصبحت سنة استمرت حتى عام 1952، وتوقف البيان. وكان الجهاز يكتفى بإرسال تقريره إلى مجلس الشعب، حتى جاء المستشار جودت الملط وأحيا تلك السنة مرة أخرى، دون توقع لحملات النقد التى يواجهها من نواب الوطنى.
جوهر الخلاف بين الجهاز والحزب والحكومة كما بدا فى اجتماع لجنة الخطة هو فى القذائف التى أطلقها المستشار جودت الملط والتى تنبه لها أحمد عز بحسه السياسى، حيث أدرك أن انتقادات الملط، يمكن أن تؤدى لسحب الثقة من الحكومة، خاصة أن الملط أكد أن هناك أزمة ثقة بين الحكومة والشعب، مشيراً إلى تدنى مستوى التعليم قبل الجامعى، وشبه التعليم الجامعى بصفر المونديال، وهى الرؤية التى اعترض عليها أمين التنظيم ورئيس لجنة الخطة والموازنة، معتبر أن الجهاز تخطى دوره كجهاز رقابى عندما أشار رئيسه إلى أزمة ثقة بين الحكومة والشعب. عز قال إن الجهاز الرقابى فى كل دول العالم لا يصدر أحكاماً سياسية وإن ملاحظاته يجب أن تخضع لمعايير موضوعية يمكن قبولها بدون تعليق. واعتبر إشارته لفقدان الثقة بين الحكومة والشعب رأيا سياسيا يخلو من معايير محددة، ومقولة تقبل الخلاف وتخرج عن نطاق عمل الأجهزة الرقابية.
وفى نفس السياق والرؤية يطالب نائب الأغلبية وعضو لجنة الخطة والموازنة عبدالعظيم الباسل بأن يقدم الجهاز تقريره عن الحساب الختامى للموازنة محل الدراسة ويقيم موازنة كل وزارة وقطاع فى ضوء الاعتمادات المالية وليس فى ضوء الطموح والأحلام.
لكن فى المقابل يرى نواب المعارضة أن من حق رئيس جهاز المحاسبات الحديث فى السياسة، وقالوا إن تحرك الحزب يعنى أن الأغلبية تريد تكميم الجهاز وألا يتجاوز الحديث عن موازنة السنة الحالية، وألا يتطرق لأخطاء الماضى، ويؤكد النائب المستقل الدكتور جمال زهران أن قانون جهاز المحاسبات يعطيه الحق فى الرقابة المالية من خلال فحص مستندات والإجراءات، وهو يكشف العديد من المصائب، ومنها رصده للمشروعات المتوقفة على مدى أكثر من 16 عاماً وإهدار المنح والقروض. مشيراً إلى أن الجهاز يستطيع أن يعطى للحكومة درجة فى تنفيذها للسياسات التى وضعتها ويكشف فشلها، واحتماءها فى الأغلبية، خاصة أنه نبه فى كلمته إلى ضرورة الفصل بين الحزب الوطنى والحكومة باعتبار أن سياسات الحزب قد تكون سليمة وتنفيذ الحكومة ليس على المستوى والعكس.
يرى الدكتور جمال زهران أيضاً أن جهاز المحاسبات لا يستخدم صلاحياته كاملة، ومنها إحالة المخالفات التى يكتشفها إلى النائب العام واختلف مع قول الملط إن المخالفات التى وجدها لا ينطبق عليها قانون العقوبات.
حق رئيس جهاز المحاسبات فى إبداء ملاحظات سياسية طبيعى، كما يرى النائب مصطفى بكرى، مؤكدا أن دور الجهاز ليس رصد الأرقام فقط، وإنما تحليل الظواهر السلبية، وبالتالى فإن إشارته لغياب الثقة بين المواطن والحكومة جزء من صميم دور الجهاز وليس دخولا فى السياسة. ويبدى بكرى دهشته من انتقاد نواب الأغلبية لخطاب المستشار الملط، رغم أنه موجه للحكومة وليس للحزب.
بينما يرى نائب الإخوان أشرف بدر الدين أن بيان الملط أقل حدة، مقارنة بما احتواه تقرير الحساب الختامى، مشيرا إلى تجاهل البيان أداء الهيئات الاقتصادية.
أما عن رؤية الجهاز أكد مصدر مسئول بالجهاز المركزى للمحاسبات أن مهام الجهاز محددة طبقاً لقانون الجهاز رقم 184 لسنة 88 المعدل برقم 157 لسنة 98 فى أن الجهاز هيئة مستقلة ذات شخصية اعتبارية مهمتها الرقابة على أموال الدولة والأشخاص الاعتباريين، كما أن دوره معاون لمجلس الشعب فى أداء مهامه، ومن دوره مراقبة الجهاز الإدارى والهيئات الحكومية والاقتصادية والخدمية والمحلية وشركات قطاع الأعمال العام والبنوك العامة، والتى بها رأسمال عام 25 % على الأقل، والنقابات المهنية والعمالية والأحزاب، وأى جهة تأخذ إعانات من الدولة.
وللجهاز الحق فى ثلاثة أنواع من الرقابة أولها الرقابة المالية بشقيها المحاسبى والقانونى، رقابة على الأداء ومتابعة تنفيذ الخطة من حيث البرامج والسياسات، والرقابة على المخالفات المالية.
ويشير المصدر إلى أننا يجب أن نفرق بين تقارير الجهاز، والبيان الذى يلقيه رئيس الجهاز، لأن التقارير تحمل مادة معلوماتية وأرقاما وتحليلا للبيانات، أما بيان رئيس الجهاز فيحمل رؤيته من خلال قراءته المتأنية للـ180 تقريرا وللحساب الختامى وللشكاوى التى يتلقاها الجهاز والتى يفحصها من خلال وحدة خاصة..
يعنى باختصار رئيس الجهاز عندما قال إن هناك أزمة ثقة بين الحكومة والمواطنين، فقد استخلصها من تحليله لجميع التقارير، ولكن يبقى أن هذا الصراع سيستمر بين شهادة حق يقولها الملط، ودفاع مصالح يقوده عز.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة