أسرار انقلاب القرضاوى على الرئيس الفلسطينى

الجمعة، 15 يناير 2010 02:36 ص
أسرار انقلاب القرضاوى على الرئيس الفلسطينى محمود عباس
محمد ثروت

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بين مشاهد هجوم الداعية الكبير الشيخ يوسف القرضاوى على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبومازن ورد أبومازن عليه، علاقة إنسانية ربما لا يعرفها الكثيرون، ورغم هذه العلاقة فإن حدة الهجوم بين الطرفين وصلت إلى ذروتها حينما طالب القرضاوى برجم أبومازن فى مكة بسبب قراره بسحب تقرير جولدستون من مناقشات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والذى أدان إسرائيل فى ارتكابها مجازر وحشية أثناء حربها الأخيرة على قطاع غزة، وفى مقابل هذا الهجوم الذى يجعل من أبومازن شيطانا يجب رجمه، رد رئيس السلطة الفلسطينية قبل أيام عليه فى لقاء مع وسائل الإعلام القطرية بقوله:
«أنا رجل متدين، وقد كنت معروفاً بذلك هنا فى قطر، وأصلى وأصوم وأقوم بالواجبات كلها وعائلتى محافظة، فلماذا يريد الأخ القرضاوى أن يرجمنى الناس فى مكة.. على فكرة أنا من قمت بتعيينه هنا فى قطر».

جملة «أنا من قمت بتعينه فى قطر»، تكشف أن بين الرجلين تراثا من الذكريات، وشمائل متبادلة تدل على عناق رجال الدين والسياسة فى أوقات وخلافهما فى أوقات أخرى، لكنها لم تخفف من غضبهما المتبادل والذى يستخدمان فيه كل وسائل الإعلام المتاحة لهما، وكانت حركة حماس هى أكبر أقوال الفصل بينهما، فبينما يرى القرضاوى أنها حركة جهادية ضد المحتل الصهيونى، يتهمها أبومازن على الدوام بتخريب الصف الفلسطينى، فماذا عن الذكريات والشمائل التى جمعت بين الرجلين؟، وماذا عن دولة قطر فى هذه الذكريات؟.

مرت العلاقة بين الرئيس والشيخ بمراحل وفاق قبل الفراق، والوفاق بدأ منذ اللحظات الأولى لتأسيس حركة فتح كبرى حركات منظمة التحرير الفلسطينية فى منتصف الستينيات من القرن الماضى، وكان أبومازن من الآباء المؤسسين للحركة مع الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات، وصلاح خلف «أبوإياد»، و«فاروق قدومى» «أبواللطف» و«خليل الوزير» «أبوجهاد»، وكانت فتح قريبة فى نشأتها من الإخوان المسلمين، قبل أن تخلع العباءة الإخوانية وتستقر على منهج القومية العربية والرؤية الوحدوية للصراع العربى الإسرائيلى، وهو ما ظهر فى فلسفتها ومؤتمراتها فيما بعد مما أصلح علاقتها بالرئيس الراحل جمال عبدالناصر الذى كان متشككا فى اتجاهاتها فى البداية.

وتشير السيرة الذاتية لمحمود عباس التى نشرها موقع حركة فتح إلى أنه عمل منذ عـام 1957 فى وزارة التربيـة والتعليـم القَطَرِيـة مديـراً لشـئون الموظفيـن، واستمـر فى عملـه حتى عـام 1970 حيث تفـرغ كلياً للعمل السياسى فى فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، وأثناء ذلك حصل أبومازن على الجنسية القطرية هو وأولاده، وارتبط أبومازن بعلاقات وثيقة بحكام قطر وآخرهم الأمير الحالى الشيخ حمد بن خليفة آل ثان، ووالده الشيخ خليفة الذى تولى الحكم سنة 1972، وانقلب عليه ابنه (الأمير الحالى) عام 1995 منذ كان وليا للعهد، وأدت هذه العلاقة إلى رفض أمير قطر سحب جنسية أبومازن عندما طالب البعض بسحبها عقب أزمة السلطة الفلسطينية مع الجزيرة وإغلاق مكاتبها فى الضفة الغربية.

فى المقابل يشير الموقع الرسمى للشيخ القرضاوى إلى أنه أعير إلى قطر عام 1961 أى بعد أربع سنوات من عيش أبو مازن فيها، وعمل الشيخ فى المعهد الدينى هناك، وفى مذكراته «ابن القرية والكتاب»، يتحدث القرضاوى عن اعتقاله أكثر من مرة وخروجه منفيا من مصر هربا من سجون العهد الناصرى. وعمله فى المعهد الدينى بقطر.

ويكشف القرضاوى فى الجزء الثالث من مذكراته عن حقيقة علاقته بأبومازن ضمن حديثه عن العلاقة بين حركة فتح والإخوان فيقول: «كان من أبرز الأحداث التى وقعت فى مطلع سنة 1965 الإعلان عن حركة وطنية فلسطينية «فتح» تقاوم المشروع الصهيونى، وتقوم بأعمال عسكرية ضد إسرائيل وشعارها ثورة حتى النصر، وكان انطلاق هذه الحركة فى 1يناير 1965»، ويشير القرضاوى إلى أن الشائع عن فتح فى ذلك الوقت أنها حركة ذات اتجاه إسلامى ونسب إخوانى، وإن لم تعلن عنه بوضوح مراعاة للظروف السياسية المحلية والعربية والدولية، مضيفا أنه من المؤكد أن نصيب أبناء الحركة الإسلامية الذين أسسوا حركة فتح كان ملحوظا ومعروفا، ابتداء من زعيم الحركة ياسر عرفات الذى كانت صلته بالإخوان معروفة. ويذكر القرضاوى عدداً من قيادات فتح وعلاقتهم بالإخوان ومنهم أبوإياد وأبوجهاد وأبومازن، الذى كان يعمل مدير شئون الموظفين بوزارة المعارف القطرية.

ويعترف القرضاوى بأن وزير المعارف القطرى وقتها الشيخ قاسم بن حمد كان يؤيد بقوة نضال فتح، والذى كان بدوره قريبا من أبومازن ووافق على تعيين العديد من الفلسطينيين والعرب القريبين من أبومازن فى المدارس والجامعات القطرية، وهو ما يؤكد كلام محمود عباس من أنه قام بتقديم الشيخ القرضاوى لوزير المعارف وساهم فى إقناع الوزير القطرى بأن يثق فى القرضاوى ويجعله يضع نواة مشروع كلية الشريعة.

الثقة القطرية المبكرة فى أبومازن والتى دفعت إلى اقتناع الشيخ قاسم بن حمد بوجهة النظر المرجحة للقرضاوى، لم تقتصر على كون أبومازن قياديا فى حركة فتح، وإنما حسب قول الدكتور سمير غطاس مدير مركز مقدس للدراسات الفلسطينية وعضو حركة فتح، كان أبومازن على درجة كبيرة من الثقافة والفكر بحصوله على درجة الدكتوراه من جامعة موسكو فى العلوم السياسية، فضلاً عن دراسته للقانون فى جامعة دمشق بسوريا منفاه الأول، وأهله ذلك لأن يكون مميزا فى وسط الأسرة الحاكمة فى قطر، حيث كانت النظرة إليه تقوم على أنه صاحب علم وفكر فى وقت كان يندر فيه وجود قيادات قطرية على نفس الدرجة من التأهيل والكفاءة، ولذلك كان أبومازن بمثابة الرجل الثانى فى وزارتى المعارف والمالية فى قطر.

وبرغم تأكيد غطاس على أن القرضاوى لم يكن فى هذا التوقيت بنفس درجة الشهرة الحالية، إلا أن أبو مازن ومن خلال نفوذه استطاع إقناع القيادة القطرية بكفاءة الشيخ، وقدرته على إنشاء كلية الشريعة فى قطر.

هذه الخلفية التاريخية فى العلاقة بين الرجلين، لم تحفظ الود فى السياسة، ولم تجعلهما على وفاق دائم فيما يتعلق بسير القضية الفلسطينية، التى يرى القرضاوى التعامل معها وفقا لأسس مغايرة لتلك التى تتبعها السلطة الفلسطينية وعلى رأسها أبومازن.

وفى هجوم جمع بين الذكريات والسياسة، وبعد ما حدث من انقلاب فى قطاع غزة أدى إلى انفراد حماس بها عام 2006، شن القرضاوى فى خطبة الجمعة هجوما عنيفا على محمود عباس واتهمه مع قيادة فتح بالتسبب فى إفشال حكومة حماس لصالح المخططات الغربية والصهيونية، وخاطب القرضاوى أبومازن قائلاً: «أنت أيها الرئيس أبومازن لقد عملت معنا فى مجال التعليم فى قطر عليك أيها الرئيس أن تتعاون مع حماس ولا تفشل الحكومة، أنت ومن معك فى القيادة.. أقولها لكم لا تفشلوا حماس... إن فشل حماس هو فشل لكم.

إن إخفاق حماس هو إخفاق لكم وللأمة وهو امتحان للفلسطينيين وللعرب والمسلمين.. إذا أخفقت حماس أخفقت الأمة وسقطت الأمة.. وسقط الفلسطينيون وسقطت السلطة وقيادتها.. انصر أيها الرئيس أبو مازن حماس ولا تعرقل مسيرتها.. حماس لا يهمها شىء إذا أخفقت لكن السلاح لايزال فى يدها وهو المقاومة.. إن التأييد لحماس هو فريضة على الجميع وعليكم أنتم أيها الفصائل أن تتوحدوا».

ومنذ ذلك التاريخ والشيخ القرضاوى دائم الهجوم على أبومازن، بالرغم من تأكيد مصادر فلسطينية لـ«اليوم السابع» أن أمير قطر تدخل لدى القرضاوى لمنع مواصلة هجومه، وربما يكون ذلك سبباً فى نكران القرضاوى لأن يكون أصدر فتوى صريحة أو خاصة بشأن رجم عباس، مؤكداً فى تصريحات خاصة لوسائل الإعلام القطرية أن الحديث عن هذا الأمر قد ورد فى خطبة خلال مهرجان نصرة الأقصى فى أكتوبر 2009، والتى شن فيها هجوما شديداً على كل من وقف وراء تأجيل التصويت على التقرير الذى يعد الأول من نوعه على مستوى أممى يثبت ارتكاب إسرائيل جرائم حرب فى قطاع غزة خلال الحرب التى شنتها عليه فى الفترة من 27-12-2008 إلى 18-1-2009، وأسفرت عن استشهاد أكثر من 1400 فلسطينى وجرح الآلاف.

وأوضح القرضاوى أنه طالب فى خطاب إلى منظمة المؤتمر الإسلامى وجامعة الدول العربية بفتح تحقيق عاجل لمعرفة من وقف وراء التأجيل، على أن تعلن نتائجه فى مكة المكرمة، وقال إن من يثبت صحة اتهامه من أركان السلطة الفلسطينية بالتورط فى هذا الأمر يستحق الرجم فى مكة عقاباً على «خيانته» لإخوته فى غزة، و«رضوخه» للتهديدات الإسرائيلية.

وتابع القرضاوى فى معرض حديثه عن أركان السلطة الفلسطينية: «إذا ثبت أنهم حرضوا الكافرين على قتال آبائهم وأمهاتهم وشعبهم فإن هذا إجرام لابد أن يكشف وأن يحقق فيه، وإذا ثبت عليهم الاتهام يرجمون كما يرجم إبليس فى مشعر منى، وكما كان العرب يرجمون قبر أبى رغال الخائن الذى أرشد أبرهة على الطرق المؤدية إلى مكة لمهاجمة الكعبة»..

لمعلوماتك...
75 عاماً هو عمر محمود عباس أبومازن رئيس السلطة الفلسطينية
84 عاماً عمر د. يوسف القرضاوى






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة