إن الناظر إلى علاقةِ الإنسانِ بالشيطانِ يستطيع أن يرى أنها علاقةٌ خطيرةٌ ومتدرجةٌ ببطئٍ شديدٍ.
فهى تبدأ بشهوةٍ بسيطةٍ، يتطلعُ فيها الإنسانُ لتحقيقِ لذةٍ لحظيةٍ، وذلك بطاعة الشيطانِ فى معصيةٍ فى غايةِ الصغرِ، إلا أنها تكون هى الباب الذى يبدأ منه الشيطانُ فى استدراج الإنسانَ من حيث لا يدرى إلى ما هو أخطر من ذلك، وتحقيقِ أطماع الشيطان الأزلية فى إخضاع ابن آدم وإذلاله، رغبةً منه فى إثبات صحة مقولته الشهيرة : " أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِى مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ"
فبما أنه قد أُمر بالسجود لآدم من قبلُ فأبى، فلُعِن وطُرِد، فإن العقدة النفسية التى تربت عنده، تدفعه إلى التشّفى من بنى آدم واستدراجهم إلى فعل نفس الشيء الذى قد أُمر به والسجود له فى ذلةٍ وهوان :
قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا * قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِى كَرَّمْتَ عَلَى لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا
و قد قالت العرب حـَنـَّك الدابة أى جعل للدابةِ حنكاً أى حبلاً يديره من تحت حنكها يقودها به.
فهنا تتبين غاية إبليس اللعين الذى لا يهدأ له بال حتى يسوق إبن آدم كما تُساق البعير...
كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّى بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّى أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِى النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ
و فى هذه القصة المعروفة استدرج الشيطانُ برصيصا العابد خطوةً بخطوة بدايةً بالزنا ثم القتل , وأخيراً أمره بالسجود له من دون الله ثم تبرأ منه كعادته....
و ما أريد أن أشير إليه هنا؛ هو قوله تعالى فى بيان أصناف الشياطين فى سورة الناس، حين قال: "مِنَ الجِنَّةِ والنَّاسِ"
فيجب أن ندرك تماماً أن هذه السياسة الشيطانية هى نفس السياسة المتبعة من شياطين الإنس والجن على حدٍ سواء.
وشياطين الإنس قد يتمثلون فى صورة أشخاص أو جماعات أو مؤسسات أو كُتل عظمى أو صغرى، فتبدأ باستدراج أولياءها إلى خيانة مبادئهم ورعيتهم خطوةً بخطوة حتى تذلهم وتضع أنوفهم فى التراب.
فقد يرى الإبنُ أباه، الذى قد كان يعتبره مثلاً أعلى فى الإخلاص والشجاعة والمروءة، قد يراه ينغمس شيئاً فشيئاً فى أمورٍ وتصرفاتٍ مهينةٍ ومشينةٍ لم يكن يتخيل فى يومٍ من الأيام أنها تصدر من هذا الأب، فتسيء إلى سمعة الأب وتاريخ الأسرة التى طالما كانت هى المثل الذى يُضرب فى الشرف والمروءة وحفظ الحقوق.
فيرى حامى الحمى المسئول عن حماية الضعفاء والزود عن الحرمات، قد تحوّل إلى سيفٍ مسلطٍ فى وجه من يرعى، وقوّادا لكل منحرف رغب فى أن ينال من عِزّة فتيات أهل بيته ألاتى قد أردن تحصناً .
و فى هذه اللحظة لا يجد الإبن فى وسعه إلا أن ينادى كما نآدى ابراهيمُ أباه من قبلُ صائحاً:
يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً * يَا أَبَتِ إِنِّى أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً.
محمد نبيل يكتب:يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ
الثلاثاء، 12 يناير 2010 12:31 م