بالرغم من الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، ومن الضغط الإرهابى الذى تواجهه المملكة العربية السعودية على حدودها مع اليمن... وربما حدودها الديمغرافية المصطنعة مع إيران، بعد أن تكللت جهودها الأمنية والتربوية فى إخماد نار الإرهاب فى داخلها، فقد فاجأت السعودية، المحللين الاقتصاديين بالإعلان عن أكبر ميزانية فى تاريخها، وفى أقوى تعبير عن هذه المفاجأة، قالت شركة جدوى للاستثمار، وهى شركة ذات توجهات وتحليلات رصينة، أن هذه الميزانية فاقت توقعاتها.
وما يلفت النظر فى ميزانية 2010، هو المثابرة على زيادة الإنفاق، وخاصة فى مجالى الصحة والتعليم، وهما ركيزتان أساسيتان للتنمية الإستراتيجية، وقد بلغت حصة التعليم نحو ربع النفقات المعتمدة وبزيادة نحو 13 بالمائة عن العام الماضى، وتضمنت الميزانية بنداً لإنشاء ألف ومائتى مدرسة جديدة وتطوير آلاف المدارس القائمة وتحديث بنيتها التعليمية، وفى مجال التعليم العالى بنود إنفاق لإكمال البناء وتجهيز أربع جامعات جديدة.
ويثير الاعجاب حقا, التطور الهائل فى قطاع التعليم العالى فى المملكة العربية السعودية، وقد أطلعنى أحد الأصدقاء المهتمين بتطوير التعليم فى العالم العربى، على مجموعة مدهشة من الإحصائيات المبشرة بدولة رائدة فى مجال التعليم، ففى السعودية 32 جامعة منها ثمانية مملوكة للقطاع الخاص، ونسبة الالتحاق فى الجامعات أعلى من المتوسط العالمى، وتتفوق السعودية على الولايات المتحدة وأوروبا ودول أوروبا الغربية، وعلى جميع الدول العربية فى أعداد الطلبة المنتظمين لنيل الدرجة الجامعية الأولى، نسبة لعدد السكان. وعدد هؤلاء ذاهب نحو المليون.. أكثر من نصفهم من الإناث... وهذه إشارة بليغة لمكانة الفتاة السعودية ومستقبلها.
والجامعات السعودية، تماثل أرقى الجامعات العالمية، من حيث البنى التحتية، ووسائل التعليم والمختبرات وإمكانيات الاتصال، وليس صدفة أن تصنيف شنغهاى لأفضل خمسمائة جامعة فى العالم، وهو من أدق وأقوى التصنيفات فى العالم، اختار جامعة عربية واحدة هى جامعة الملك سعود، ضمن أفضل خمسمائة من قلاع التعليم العالى فى العالم.
هذا التطور المتسارع، دون ضجيج، فى مجال التعليم العالى فى السعودية، ليس مجرد زيادات غير مبررة فى أعداد المتعلمين، فسوق العمل السعودى متطور وقادر على الاستيعاب، والأهم من ذلك، أن هذا التطور التعليمى سيفضى إلى تطور علمى من شأنه أن يدفع التنمية فى السعودية ويضعها فى مراكز متفوقة على أصعدة كثيرة .
بهذه النهضة التعليمية، لن تدخل السعودية كتاب جينيس، فليس فى صفحاته مكانة لهكذا انجازات، ولكنها بلا شك تدخل بقوة إلى أنصع صفحات التاريخ الحضارى للعالم .