فى طفولتى كان لدينا حديقة مزروعة بالجوافة فى بلدتنا الصغيرة.. كنت أذهب إليها كل صيف، ولن أنسى ما حييت كيف كنا نذهب أنا وأصدقائى من الأطفال لنشن غارات على الحديقة ونقذف أشجارها بالطوب، ونلتقط بعض ثمار الجوافة التى تسقط، ونسارع بالهروب قبل أن يطاردنا الجناينى العامل فى الحديقة.
ورغم أن عم عبد العزيز كان يأتينا يوميا بقفص كبير من ثمار الجوافة، إلى البيت لنأكلها أو يهدى جدى بعضها للأقارب والأصدقاء، فإن غاراتنا اليومية على الحديقة لم تتوقف، كما لم يتوقف رعبنا من عم عبد العزيز الجناينى وهو يطاردنا ونحن نفر هاربين، ونتخبط فى بعضنا البعض.
وحين أتذكر هذه الأحداث الآن أكاد أضحك على تلك التصرفات الطفولية الغريبة، لكن الأهم أن مثل هذه التصرفات تكاد تبدو سلوكاً عاماً، فلا فارق كبير بين الوطن الكبير الذى نعيش فيه الآن وبين حديقة الجوافة التى كنا نمتلكها زمان.. فمعظم الناس يقذفون الوطن بالحجارة، بمناسبة أو حتى بدون مناسبة.
فمن يقتلون الأبرياء بسبب تطرف دينى مقيت يرجمون الوطن بحجارتهم، والصحافة غير المسئولة لا تقف عن قذف الحجارة، وفضائيات الفتنة والجهل لا تقل خطورة، ومن يظهرون على الفضائيات مقابل حفنة دولارات يبيعون وطنهم بالقليل من الأموال.
كلنا نقذف الوطن بحجارتنا، وكلنا نهيل عليه التراب، ونزيد من حالة اليأس والإحباط التى يعيشها الناس، بل وصل الأمر بالبعض إلى الفخر بأن حجارته أكثر تأثيرا من الآخرين.
الفرق الوحيد بيننا ونحن صغار نغير على حديقتنا أننا كنا أطفالاً لا نميز الصواب من الخطأ، بينما من يقذفون الحجارة الآن كبار.. راشدون، ويمتلكون عقولا راجحة تمكنهم من التمييز، لكن يبدو أن البعض لم يفارق مرحلة الطفولة بعد، ولا يعرف معنى كلمة وطن، ولا كيف يحافظ عليه، أو يحبه ويغير عليه غيرة حقيقية.. لا أن ينتهز كل فرصة لينتزع حجراً من بنائه ويقذفه به!
ملاحظة كروية:
* مشهد استوديوهات التحليل الكروية فى الفضائيات المصرية والقنوات الأرضية لمتابعة مباريات كأس الأمم الأفريقية بأنجولا بدون أحداث المباراة يبدو مثل طبيخ البيت لا لون ولا طعم ولا رائحة.. وربما يكون عدم بث المباريات أو ملخصاتها على قنواتنا فرصة حتى نستريح من مقدمى هذه البرامج الرياضية، وربما فى ذلك حكمة أيضاً فقد كان من الممكن أن يتسسبوا فى إشعال معارك سياسية جديدة كما حدث مع الجزائر والسودان.. رب ضارة نافعة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة