المبدع فؤاد قنديل يكتب عن فاجعة نجع حمادى: إنهم يسرقون الوطن

الإثنين، 11 يناير 2010 12:15 م
المبدع فؤاد قنديل يكتب عن فاجعة نجع حمادى: إنهم يسرقون الوطن

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كنت أجلس فى الشرفة أستمتع بالشمس الحانية والسماء الصافية وعلى مائدة الصباح المضىء، أمسكت بالقلم أكمل فصلا من رواية جديدة تتناول جانبا من حرب أكتوبر المجيدة، وكان جورج قد رأى قائده محمود الجداوى يسقط مضرجاً بدمائه، بعد أن تلقى دفعة نيران مفاجئة من جندى إسرائيلى هرب من دبابته التى فجرها جورج.. أسرع جورج ضئيل الحجم إلى محمود الضخم، وهو يرتعد حبا ورعبا فحمله بصعوبة بالغة حتى الخندق. تأثرت جدا من موقف جورج فلم أكن قد أعددت لهذا الموقف فى الرواية، لكن جورج بالذات قفز رغما عنى وسبق كل زملائه كى ينقذ محمود.

وجدتنى أرفع رأسى وأرنو إلى الفضاء.. كان وجه المسيح الباسم يملأ الأفق البعيد، وعلى الأرض طابور طويل لا نهاية له من كرام المصريين الذين لا يحصيهم عد. لمحت بينهم سلامة موسى ومراد وهبة وإدوار الخراط ويوسف ويعقوب وصبحى الشارونى ولويس عوض ووراءه غالى شكرى ويوسف داوود ولطفى لبيب وهانى رمزى وسامى سدراك وكم هائل من الأطباء والجنود يتقدمهم فؤاد عزيز غالى وعبد الملاك وجورجيت وشاهين وهند رستم وأنور وجدى وبركات ومفيد ومنى ونادية ومكرم عبيد ونبيل راغب وماهر شفيق فريد وألفريد فرج ونبيل ومجدى فرج ونبيل زكى وماجد جورج وبطرس غالى ومجدى يعقوب وفرح أنطون، وتحت الشجر يقف منير وفخرى عبد النور وجميل عطية وطوبيا واسحق عزمى وجبران وكمال رمزى وسمير فريد ووجدى رياض، وتجلس بينهم ليلى تكلا وأبناء دوس واستينو وأبادير.. كثيرون لا أعرفهم وكثيرون لا أذكر أسماءهم.

شرعت الوجوه تبتسم وتتحول تدريجيا إلى زهور ملونة وندية، بينما كان قداسة البابا شنودة يحمل عصاه ويطرق بابى. إنه الشاعر مرهف المشاعر الذى أصر أن أجلس إلى جواره فى الطائرة الخاصة المتجهة إلى طرابلس لاستلام جائزة القذافى العالمية فى طرابلس. إنه المثقف الكبير والكاتب العلامة حافظ القرآن والأحاديث النبوية مع العهدين القديم والجديد، انفتح الباب ودخل الحديقة التى امتلأت بالزهور الفاتنة وتدريجيا تحول البابا إلى شجرة ضخمة ظليلة ومورقة، وبدأ العشب الأصفر المترامى تحت قدميه يزهر ويخضر. وتهلل الجميع فرحا بالمعجزة، ولكن أمنا العذراء اجتذبت الأنظار، وهى تسبح فى الفضاء فوقنا وتبتسم وتلوح لهؤلاء الذين ينعمون بالمحبة والسلام من المسلمين والمسيحيين.

وفجأة هبت رياح حمقاء، عفرت الجباه وتلونت بالعتمة وصعدت إلى السماء فى شكل سحابة سوداء تنفث ناراً غريبة وتخرج منها سحابات صغيرة قاتمة، وبداخلها عيون جهنمية ومرعبة تحدق فى الجميع وتطلق الشرر.

من يدى سقط القلم، وضاق صدرى واسود الكون من حولى ولم أستطع التنفس. كدت أختنق.. ترفض روحى بشاعة المشهد.. تفتقت السحابة عن شباب طائش يطلقون النار على العصافير ويوقعون بالرصاص القاتل على وثيقة تخليهم عن دين الإسلام الذى يحرم قتل النفس إلا بالحق ويرفض التعرض للأقباط.. علمت أن شابا قبطيا أخطأ فارتدت الأمة جميعا ثوب الحداد وامتلأت الشوارع بالدم والسخط والألم.. وابتلعت الدوامة أمن الدولة التى اختفى منها القانون، وإذا وجدوه لا يجدون من يحميه.

بعد أن روت العذراء الكريمة الشجر الظمآن راعها ما رأت عيونها فتراجعت من هول الدخان، وصعدت إلى السماء كوردة من النور الربانى امتدت بعرض الأفق وتوارت.

سقط القلم وحط الغباء وتشكل كالأفاعى والذئاب، هربت العصافير الباقية إلى الجحور وعلا الأنين فى كل درب.

من اقترف جريمة نجع حمادى النكراء، لم يطلق الرصاص على الأبرياء ولم يذبح بسكين باردة ثمانية من الشهداء، ولكنه سرق روح الوطن.. سرق النوم من العيون والأمن من القلوب، وانتزع شجر المحبة والوئام.. لقد سرق روح الوطن، ويا لفداحة ما فعل.

من ارتكب الجريمة كان يبصر هدفه، لكنه كان أعمى القلب والبصيرة.. تجرع حتى الثمالة من قوارير الجاهلية المنقوعة فى مستنقعات الحقد الأسود.. ونسى أن القبطى أخ وابن وجار ونديم ومسامر وسند ومدد وظهر وصدر وكتف.

نسى فى غمرة التلقين الأعمى أن القبطى طبيب وحبيب وصديق صدوق وناصح أمين وزميل مخلص.. غاب عنه وعمن علمه أن القبط أوصانا بهم الله ورسوله وكبار العلماء، ودعت لذلك حكمة الأسلاف، وأكدت ذلك مواقف التاريخ والحياة.. فأين القانون ومن يدافعون عنه؟.. أين رجال الدين الذين يتاجر بعضهم بالدين فى المساجد والفضائيات والصحف؟.. قولوا لهم إن صلاتهم غير مقبولة لأن أصل الدين المعاملة واحترام الآخر والتسامح والقبطى ليس آخر إنه صاحب بيت وليس ضيفا.. كل ما فى رؤوسكم لغو والتباس ومفاهيم خاطئة تروجون لها بخطبكم البكماء المخربة.. قولوا للجميع إن الوطن قبل الجميع وقبل الدين.. البسطاء قالوا وقولهم حق "اللى يعوزه بيتك يحرم ع الجامع"، وأخى القبطى له علينا حقوق.. أعلنوها بقوة يا زعماء الأمة.. وإن لم تعلنوها فاتقوا نار الفتنة التى وقودها الوطن جميعه وأنتم فى مقدمته.

كلنا مسئولون.. الكتاب والمثقفون.. الفنانون والسياسيون.. الدعاة والعلماء.. الحكومة والبرلمان.. الكنائس والمساجد والمدارس.

أنقذوا الوطن أيها الأحبة، لأنه يسرع نحو الهاوية، وعدد القنابل المتأهبة للانفجار يتزايد ويختبئ تحت الأسرة وفى حقائب الأطفال وفى أطباق الطعام وعربات الترام وفى أجهزة التليفزيون.. فهل نترك كل شىء يمضى نحو الهاوية وننشغل بالمسلسلات والمشروعات والمناصب والعلاقات الملونة والساخنة ونهب الأموال؟ .. أم تراه الوقت المناسب لنبدأ صحوة المسئولية تجاه كل ما يجرى، ونرى فيما حدث جرس إنذار ضخم يصرخ فى وجوهنا. قائلا: أفيقوا واستنقذوا روح الوطن.. أفيقوا أو موتوا.. !!





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة