ثروت الخرباوى يكتب: عزيزى المواطن لا تقدم إقرار الضريبة العقارية

الأحد، 10 يناير 2010 10:28 م
 ثروت الخرباوى يكتب: عزيزى المواطن لا تقدم إقرار الضريبة العقارية وزير المالية يوسف بطرس غالى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إذا نظرت لحال المسلمين فى هذه الأيام فيجب أن تتعجب وتضرب كفا بكف، أما إذا نظرت لحال النخب التى تقود الأمة والصفوة التى تشكل مشاعرها وأفكارها، فإنك حينئذ يجب أن تضرب وجوههم بكفك ولا تأخذك شفقة ولا رحمة بهم، ذلك أنهم لم تأخذهم الشفقة بأمتهم ولم تتملك الرحمة قلوبهم وهم يعبثون بنا.

تفرض الدولة علينا قانونا ضرائبيا فاسدا حتى النخاع، مخالفا للشريعة الإسلامية بلا ريب، هو فى حقيقته نوع من أنواع الجباية المقيتة التى ليس من هدفها إلا مص الدماء، هو قانون الضرائب العقارية.. إذ لا يجوز فرض ضريبة دورية على رأس المال، لأن هذا يهدد الملكية ويتعدى عليها وينتقص من قيمتها، كما أنه يؤدى إلى ازدواجية الضريبة حين يكون المواطن خاضعا لقانون ضرائب الشقق المفروشة ويلتزم فى ذات الوقت بسداد الضريبة العقارية، فيكون بين شقى الرحى.. الضريبة على الدخل والضريبة على رأس المال وفوق هذا وذاك فقد احتوى هذا القانون الجائر على الكثير من المآخذ القانونية والدستورية والمخالفات الصارخة للشريعة والتى تستعصى على الحصر ويلزم لها لجان حصر واستمارات حصر كاستمارات حصر العقارات الخاضعة للضريبة ذاتها، ومن عجائبه الفريدة أنه جعل قرارات الطعن فى التقدير الضريبى نهائية وهذا الأمر المعيب هو من بنات أفكار الوزير الجابى ـ وبناته لا تنفد عجائبهن ـ ويبدو أنه حين درس القانون ذات يوم كئيب نسى أنه لا يجوز تحصين قرار وجعله بمنأى عن الطعن فيه، ولكن العيب ليس عيبه ولكن عيب من عينه فى مكانه وعيب تلك النخبة المزيفة المسماه زورا (مجلس الشعب) والشعب منها برىء .. العيب عيب العضو الموقر ـ جدلا ـ الذى رفض القانون فى بادئ الأمر حين مناقشته وإذ نظر لهم بعينه الحمراء، و"سيف ابن عز وذهبه" العضو الموقر أحمد عز ـ جدلا ـ ( والجدل هنا ليس بصدد العز ولكن بصدد الموقر فالعز لا مراء فيه ولا يفل الحديد إلا الحديد) وقال وهو ينظر لهم بعين يتطاير منها الشرر وبلهجة عامية ركيكة: ليس هذا هو اتفاقنا؟!! فإذا بالأعضاء الموقرين ينتفضون من مكامنهم ويرفعون أصابعهم فى حالة موافقة جماعية فريدة وسبحان مغير الأحوال!!.

ورغم كل المآخذ والعيوب والمخالفات والهنّات الفاضحة والفادحة لهذا القانون، إلا أن رجال السلطان من المحسوبين على النخب المثقفة خرجوا علينا عبر مقالاتهم وندواتهم وحواراتهم الفضائية ليحللون الحرام ويحرّمون علينا معيشتنا وينعقون بأصوات شاذة وهم يقولون: هذا قانون صحيح وهو فى مصلحة الوطن والمواطن وهو قانون حضارى ولن يتم فرض الضريبة إلا على نسبة قليلة من المواطنين وفلسفته أن نأخذ من القادرين لنعطى غير القادرين، ومنهجنا هو أن نبنى للفقراء مساكنا تحتويهم وأسرهم بدلا من العشوائيات والمقابر!!.. خرج مثل هذا الكلام من مجموعة من خبراء الضرائب فى ندوة قانونية كنت حاضرا فيها انعقدت فى أحد الفنادق وحين قمت أنا وآخرين بالرد عليهم ومواجهتهم بالعديد من الحجج قطّب كل واحد منهم جبينه وذوى حاجبيه علامة الرفض والامتعاض.. وبعد انتهاء الندوة جلست مع بعضهم نستكمل المناقشة فقالوا جميعا ـ دون أن يرمش لهم جفن أو تعتريهم حمرة الخجل ـ عكس الكلام الذى كانوا يصدحون به أثناء الندوة وأمام الصحافة .. قال أحدهم وهو يُسبّح لله بسبحته التى تخطف الأبصار: إن هذا القانون جائر وستقضى المحكمة الدستورية حتما بعدم دستوريته.. وقال الآخر: إن هذا القانون فيه مخالفات للشريعة الإسلامية الغرّاء كما أنه يفرض أكثر من ضريبة على وعاء واحد ويهدد حرية الملكية وحرية المسكن الخاص.. وقالوا جميعهم نحن ضد القانون ولكننا نقول ما نقوله من باب (مجبر أخاك لا بطل).

وبغض النظر والبصر والسمع عن باقى الحوار الذى دار بينى وبينهم ـ ومعنا ثلة من رجال القانون ـ وكلماتى الغاضبة منهم ولهم وعليهم بعد أن سمعت منهم هذا الكلام المتناقض مع كلامهم العلني، إلا أن هذا المشهد العجائبى جعل الأفكار تتداعى على مخيلتى، وأخذت أفكر فى هذا التناقض الذى تمر به أمتنا أو يغوص فيه بعض الصفوة من نخبتنا والذى يؤكد أن الأمة الإسلامية فى معظمها وقعت منذ زمن فى دائرة (الردة الحضارية) بعد أن كانت تقود العالم من منطقة (الأستاذية) فإذا أردنا أن نعرف سبب هذه الردة الحضارية أو بالأحرى هذا الوهن الحضارى فيجب علينا أن نستبصر هذا المرض الذى أصاب هذه الأمة فأزاحها عن أستاذيتها وأبعدها عن تفردها ثم يجب علينا بعد ذلك أن نستشرف وسائل مواجهة هذا المرض.. هذا المرض الذى اخترق ضلوع الأمة وعظامها، مرض التناقض بين القول والفعل، فنحن حاليا أمة القول الحسن والفعل السيئ.. أمة الخطاب العلنى المختلف مع التطبيق الحقيقى.. أمة التدين السلبى.. أمة معارضة الحاكم فى الغرف المغلقة وموافقته فى العلن.. أمة يكتب مدرس فيها امتحان للتلاميذ يطلب منهم فيه وفقا لما جاء بورقة الأسئلة ومن خلال نص مقرر عليهم عن النيل المبارك.. اكتب عكس كلمة "مبارك " فيتم إحالته للتحقيق ويقوم رئيس المنطقة التعليمة بتوقيع جزاء صارم على هذا المدرس الذى تجرأ وطلب مضادا لمبارك، إذ يبدو أنه خشى أن يكتب الطلبة: مضاد مبارك هو البرادعى!!.

نحن أمة وقعت منذ زمن فى تناقض أفقدها خيريتها، ولن تعود لنا الخيرية، إلا إذا خرجنا من جحور السلبية إلى فضاء الإيجابية.. لن تعود لنا حضارتنا إلا إذا انتبهنا لما حذرنا الله منه حين قال فى كتابه الكريم (يا أيها الذين آمنوا لما تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) لن تقوم لنا قائمة إلا إذا وعينا فهما وتطبيقا قول الله سبحانه وتعالى (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون).. انظروا كيف ربى الرسول صلى الله عليه وسلم، الأمة كلها على منهج الاستقامة والتطابق بين الفعل والقول فقال لنا فى الحديث الشريف معلما وموجها ومربيا (من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له) ثم وضع الرسول صلى الله عليه وسلم لنا تحذيرا واضحا من تلك الآفة حيث قال (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه).

ونظرا لأننا يجب أن نخرج من دائرة السلبية إلى دائرة الإيجابية فإننى قطعا سأعترض على هذا القانون بطريقتى .. لن أقدم إقرار الضريبة العقارية ليس هذا فحسب، ولكننى طلبت من كل معارفى عدم تقديم هذا الإقرار، ولن تستطيع الدولة حين يصل عدد الممتنعين إلى ملايين مواجهة نصف الشعب، ولن تستطيع الدولة بكافة أجهزتها الإدارية تعقب الممتنعين أو توقيع غرامات عليهم، فالغرامة المفروضة فى القانون هى محض عبث، كما أنها تسقط بمرور عام إذا لم يتم تسديدها وليس فى إمكان الأجهزة التنفيذية المثقلة بتنفيذ ملايين الأحكام الولوج إلى مغامرات عبثية خاصة بتنفيذ ملايين الأحكام.. فضلا عن أن صدور أحكام بغرامات على المخالفين يحتاج إلى جهاز قضائى ليس أمامه إلا هذه القضايا فقط، وهو الأمر الذى يستحيل كاستحالة الغول والعنقاء وفوز الزمالك بالدورى.. فإذا كانت القضايا السنوية العادية فى مصر بكافة أنواعها تصل إلى عشرة ملايين قضية تثقل كاهل القضاة ولا يستطيعون الحكم فيها إلا بشق الأنفس وكان المخالفون الذين سيمتنعون عن عدم تقديم إقرار الحصر من المحتمل أن يصل إلى أكثر من عشرين مليون مواطنا فمن هذا الذى سينظر هذه القضايا ويوقع هذه الغرامات؟!! ثم ما هى قدرة الجهاز التنفيذى الذى سينفذ هذه الأحكام الذى هو فى الأصل عاجز عن تنفيذ الأحكام العادية؟!!.

ومن أجل الخروج أيضا من دائرة السلبية أقمت ومعى عدد من المحامين طعنا على هذا القانون المعيب ومن المنتظر أن يحال الطعن إلى المحكمة الدستورية قريبا إن شاء الله.. وسينضم إلينا على ما أظن جمهرة من المواطنين من مختلف الاتجاهات.

عزيزى المواطن الساكن فى بر مصر لا تقدم إقرار الضريبة العقارية فالضريبة فيها سم قاتل.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة