مما لاشك فيه أن من حق أى مصرى أن يسلك السبل القانونية من أجل رفع الظلم عنه، كما أن من حق الجميع مسلمين ومسيحيين الاعتراض على الاستبداد والفساد، لكن ليس من حق أحد أن يدعو لإشعال نيران الفتنة الطائفية فى جنبات الوطن، مستخدما الشعارات الطائفية البراقة التى تشعل مشاعر الشباب وحماستهم، وهذا ما قامت به مجموعة الكتيبة الطيبية التى أطلقت دعوتها بالإضراب العام لكل الأقباط يوم 11 سبتمبر الجارى، حيث حرصت هذه المجموعة على صبغ إضرابهم بصبغة طائفية، وهناك مجموعة من الحقائق لابد من إجلائها بوضوح، وذلك بالرغم من أن هذا الملف شائك خاصة لى، لكن لابد أن يعلو صوت مصلحة الوطن فوق الجميع وتظهر الحقائق بكل شفافية ومنها ما يلى:
* لقد شهدت الكنيسة المصرية خاصة فى العقد الأخير، ظهور تيار مسيحى متشدد على صوته داخل الكنائس، وأصبح يشكل خطراً واضحاً على النسيج الوطنى، ففى الوقت الذى بدأ الوطن يتعافى فيه من ظاهرة الغلو والتطرف التى تبنتها بعض الجماعات الإسلامية المتشددة التى تراجعت عن أفكارها بالمراجعات الفكرية الأخيرة، وجدنا فى المقابل أن هناك تياراً متطرفاً بدأ يجتاح الكنائس المصرية، بل وصل الأمر بهم إلى مخالفة الكنيسة فى كثير من المواقف، وأعلنوا التمرد أكثر من مرة على الموقف الرسمى للكنيسة.
* تلعب بعض الصحف المسيحية دوراً مشبوهاً فى إثارة الفتنة الطائفية، ويأتى على رأسها صحيفة الكتيبة الطيبية، والتى ظهرت عام 2004 عقب إشهار وفاء قسطنطين إسلامها، وقد طالبت أكثر من مرة على صفحاتها الولايات المتحدة الأمريكية بالتدخل لإنقاذ أقباط مصر، وتصدرت صفحاتها بعض العناوين المثيرة للفتنة ومنها "طلبات المسيحيين لا تجاب فى مصر"، "لا كرامة للأقباط فى مصر"، "أنقذوا أقباط مصر"، "لا لخطف القاصرات وإجبارهم على الإسلام" هذه بعض العناوين التى نشرتها جريدة "الكتيبة الطيبية" القبطية الأكثر انتشارا فى الكنائس المصرية على صفحاتها الأولى، وكان متن هذه الموضوعات يحمل مطالبة واضحة بتدخل أمريكى فورى لتحرير مسيحى مصر، بحجة ما يتعرضون له من اضطهاد.
وهذه لم تكن الجريدة المسيحية الوحيدة التى ضربت على هذه الأوتار، بل هناك أكثر من جريدة أخرى مثل جريدة "المحبة" القاهرية، وهى غير دورية تصدر عند ظهور أى أحداث طائفية، وكأنها تنتظر صيدها فى ماء الوطن الذى يعكره التطرف والغلو، ومجلة "الأقانيم الثلاثة" والتى ظهرت على الساحة الكنسية بالإسكندرية بعد الأحداث المسرحية المعروفة التى ترتب عليها أحداث طائفية اجتاحت أحياء الإسكندرية، وأيضا "الطريق" الإنجيلية التى يعلم الجميع أن تمويلها خارجى، كما أنها صاحبة دعوى إنشاء رابطة "الإخوان المسيحيين"، وتأتى مجلة "الكنيسة" والتى ظهرت بعد أحداث الكشح، ويقوم على تحريرها مجموعة من الشباب المدافعين عن الكنيسة على رأس المجلات التى تنفخ فى نيران الفتنة بالصعيد من خلال عناوينها وموضوعاتها التى بعدت كل البعد عن تعاليم الكتاب المقدس.
لقد أصبح واضحا للجميع أن أقباط المهجر نجحوا فى تربية بعض الشباب المسيحيين المتطرفين المتشددين، الذين انقلبوا على مصالح وطنهم، ورفع راية الغلو واتخذوا من إخوانهم المسلمين أعداء، وأصبحوا متحفزين لأى حدث حتى لو تورط فيه صبية من المسلمين، بل وجدنا أن النافخين فى نار الفتنة من قيادات أقباط المهجر أسسوا جماعات تمارس كل ألوان التميز والعنصرية ضد إخوانهم المسلمين، ومنها جماعة إيذاء المسلمين وفرسان الرب اللتين ضاق بتصرفاتهم الكثير من إخواننا الأقباط فى الكنائس، وبالطبع يسعى الحالمون من قيادات أقباط المهجر أمثال موريس صادق ومدحت قلادة ومايكل منير أن يدخلوا مصر فاتحين، على أفواه الدبابات الأمريكية، بعد إحراق الوطن بنيران الفتنة الطائفية، لكن أنَّى لهم ذلك؟، فمصر محروسة بنسيجها الوطنى القوى الذى استعصى من قبل على المستعمرين، ولعل مظاهرات الوحدة الوطنية فى عام 1919 خير دليل على ما أقول.
لقد استهوى بعض الآباء والكهنة للأسف الشديد دعوات الفتنة، ومن هؤلاء القس المقبوض عليه متاوس وهبة والقمص متياس نصر راعى كنيسة السيدة العذراء بعزبة النخل ورئيس تحرير مجلة "الكتيبة الطيبية" صاحبة دعوة إضراب 11 سبتمبر، ضاربين بتعاليم الكتاب المقدس الذى حثهم على محبة الأعداء - فما بالكم بشركاء الوطن وإخوانهم المسلمين ـ عرض الحائط، ولا أدرى لمصلحة من يتورط رجال دين فى إشعال نيران الفتنة، وزعزعة أمن الوطن.
لكن يبقى حقيقة لابد أن يعلمها الصبية الذين يحاولون بتعصبهم الأعمى أن ينالوا من النسيج الوطنى، أن إخوانهم المسلمين مع كل حقوق الأقباط الوطنية، وأن الجميع فى مصر على قدم المساواة، وإن كان هناك ظلم لحق بهم من نظام فاسد فليعلموا أن إخوانهم المسلمين ذاقوا الأمرين من هذا النظام، الذى تفنن فى إذلال الجميع، لكن لابد أن يعى الجميع أن السفينة إذا غرقت ستغرق بالجميع، وأن الحل ليس فى التعصب الأعمى ودعوات الفتنة، لكن فى الحوار البناء الذى تعود عليه المصريون على مر تاريخهم، كما لابد أن نعترف برصانة ووطنية موقف الكنيسة الرسمى، الذى يعده المصريون صمام أمان، وصخرة حامية فى وجه التشدد والتطرف الغبى، ولعل رفض الكنيسة المصرية لهذا الإضراب المزعوم يجعلنا نستشعر أن مصر مازالت تنعم بقيادات دينية وطنية تغلب مصلحة الوطن على ما سواه.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة