طرحت مجلة نيوزويك الأمريكية فى عددها الأخير رؤية جديدة وربما تكون غريبة تتعلق بانتشار الأسلحة النووية. حيث دعت المجلة إلى التخلى عن الأفكار الداعية إلى جعل العالم خال من الأسلحة النووية، قائلة إن هذه الأسلحة تردع الدول عن شن حروب أو الدخول فيها، نظرا للخسائر البشعة التى يمكن أن تحدث فى حالة اندلاع الحرب.
وتقول نيوزويك إنه فى سبتمبر المقبل سيجمع الرئيس الأمريكى باراك أوباما 14 من قادة العالم فى اجتماع خاص بمجلس الأمن الدولى فى نيويورك، ومن ضمن القضايا التى سيتم مناقشتها كيفية التخلص من الأسلحة النووية. وتعد هذه الخطوة هى الأحدث فى الحملة التى تقوم بها الإدارة الأمريكية للقضاء على الأسلحة النووية وهى الأولوية التى أكد عليها أوباما فى حملته الانتخابية، وأعلن عنها رسمياً فى إبريل الماضى خلال خطاب ألقاه فى براج. كما تعد محاولات الولايات المتحدة منع إيران من الحصول على القنبلة النووية ومواجهة البرنامج النووى لكوريا الشمالية جزءا رئيسيا من هذه الحملة.
وكل هذه الجهود مبنية على المبرر نفسه، وهو كما يقول أوباما، إن الأسلحة النووية تمثل الخطر الأعظم على أمن الولايات المتحدة، وهو أمر لا يخفى على أحد وكل من شاهد صور هيروشيما وناجازاكى يعرف ذلك. كما أن هذا المبرر يحظى بشعبية، فالرؤساء الأمريكيون منذ إدارة أيزنهاور كانت لهم تعليقات مشابهة، ويعد وقف انتشار الأسلحة النووية ما لم يكن القضاء عليها نهائياً هو أحد الأمور القليلة التى يمكن أن يتفق كل من أوباما وفلاديمير بوتين وهيو جينتاو وبنيامين نيتانياهو بشأنها، لكن يوجد مشكلة واحدة فقط وهى أن هذه الدعوة ربما تكون خطأ.
فقد أشارت بعض الأبحاث إلى أن الأسلحة النووية ربما لا تجعل العالم فى الحقيقة أكثر خطورة، كما يفترض أوباما ومعظم الناس، بل إن القنبلة النووية تجعلنا أكثر أمناً. ففى عصر الدول المارقة والإرهابيين الدوليين، تبدو هذه الفكرة خطأ بشدة، وربما يكون معرفة حقيقة الأسلحة النووية له تأثير عميق على سياسة الحكومة الأمريكية، فالحملة التى تقوم بها الإدارة الأمريكية فى هذا الشأن ربما لن تحقق الكثير فالرؤساء الأمريكيون السابقون حاولوا وفشلوا، لكنه من غير الواضح ما إذا كان ينبغى عليه، أى أوباما، القيام بهذا الجهد. فهناك إجراءات أخرى أكثر أهمية يمكن أن تقوم بها الحكومة الأمريكية لجعل العالم أكثر أمنا وهذه الإجراءات لا ينبغى تجاهلها فى سبيل تحقيق الحلم المثالى بعالم خال من الأسلحة النووية، وهو الأمر الذى يعد غير واقعى وربما غير مرغوب فيه أيضا.
فالقول بأن الأسلحة النووية يمكن أن تكون وسائل للسلام كما هى وسائل للدمار يبقى واضحاً فى ملاحظتين هامتين. الأولى: أن الأسلحة النووية لم تستخدم منذ عام 1945، والثانية أنه لا يمكن أن تكون هناك حرب نووية أو حتى غير نووية بين دولتين تمتلكان هذه الأسلحة. ودعونا نتوقف عند الملاحظة الثانية ونفكر قليلاً. فلقد قال كينيث والتز أستاذ العلوم السياسية فى جامعة بيركيلى والمعروف بأنه رائد "التفاؤل النووى" إن العالم لديه الآن 64 عاماً من الخبرة النووية بعد هيروشيما، ولم يكن هناك تنبؤات تاريخية بأن هذه الفترة لم تشهد أى حروب بين الدول النووية.
ولكى نفهم السبب الذى ربما يجعل الأعوام الستين القادمة أيضا مشابهة لما قبلها فإننا فى حاجة إلى أن بدأ بالاعتراف بأن كل الدول تفكر بشكل صائب، عند مستوى معين. ربما يكون قادتها أغبياء أو مثيرى للشفقة أو حتى أشرار، لكنهم يميلون إلى القيام بالأمور فقط عندما يكونون متأكدين تماماً أنها ستحقق لهم ما يريدون، فمثلا بالنسبة للحرب، ستبدأ أى دولة القتال فقط عندما تكون متأكدة أنها تستطيع الحصول على ما تريد بسعر مقبول، فحتى صدام أو هتلر لم يقوما بشن حروب إلا وهما يعتقدان أن بإمكانهما تحقيق الفوز. المشكلة من الناحية التاريحية هى أن القادة غالباً ما يقومون بالمقامرة الخاطئة ويقدرون بأن الجانب الآخر وملايين من الأبرياء سيدفعون الثمن.
لكن الأسلحة النووية غيرت كل ذلك بجعل ثمن الخرب باهظاً وغير مقبول وحتمى. فجأة أصبح كلا الجانبين لديه القدرة على تحويل الآخر إلى أشلاء بالضغط على زر القنبلة. ولذلك فإنه حتى أكثر الاستبداديين جنوناً مجبر على القبول بأن الحرب مع دولة نووية لا يمكن الفوز فيها، وبذلك فإن هذه الجهود غير هامة. وبهذا المنطق فإن الأسلحة النووية ستؤدى إلى حالة من السلام النووى التى تجعل الدول تفكر قبل شن حروب تعرف أنها تخسرها أو ستدمرها.
نيوزويك: الأسلحة النووية خير وسيلة لتحقيق السلام
الجمعة، 04 سبتمبر 2009 03:46 م
مجلة نيوزويك الأمريكية تعرض رؤية غريبة تتعلق بانتشار الأسلحة النووية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة