لو سألنى أحدهم يوما بجدية... ماذا تتمنين أن تكونى مستقبلا ... سأجيب ببساطة
عاوزه أطلع عطــــــــــــــــــــــارة.
كم كان محل العطار بالنسبة لى عالم سحرى وخيالى.
تختلط فيه روائح البهارات والبخور بألوان احجار النار وعين العفريت
صلتى بمحل العطار بدأت من قبل حتى أن أولد ... أعتقد أنه عشق بالوراثة
فتجارة جدى التى بارت قبل أن أولد بعقدين من زمان .. كانت فى هذا المجال
كان يكفى أن تقول أمى مثلا (البهارات خلصت أو عاوزين شوية كمون)
حتى يتهلل وجهى فرحا وسعادة وسرور.
هذا يعنى زيارتنا لدكان عم محمود القابع بنهاية السوق.
دكان قديم ترك الزمن علاماته على طلاؤه وبوابته ورفوفه ولم يشأ عم محمود تجديده.
كان مدخل الدكان الضيق لايوحى أبدا باتساعه من الداخل وذلك السقف العالى على غرار المبانى القديمة والضوء الخافت .. جعلت من دكان العطاره عالم ملىء بالأسرار.
أحببت المكتب الخشبى القديم الذى يغطى سطحه بزجاج.
يحبس خلفه صورا قديمة وحديثة.
بعضها لممثلين وشيوخ.
وبعضها لأناس عاشرهم وعاشروه.
وبعد تأمل وتتدقيق وتمحيص ألفت ملامح شخص فى أحدى تلك الصور
وكانت لخال والدتى.
وعندما استفسرت قال (الحاج صبحى كان زينه السوق كلو والى ماعرفوش ماعرفش رجاله جدعان ).
لمحت زهواً فى عين والدتى وفخراً فدائما ما كانت تقول أمى.
(السيرة والسمعة الطيبة بتبقى اكتر من المال).
رحل الحاج صبحى عن عالمنا منذ اكثر من نصف قرن وذهبت آخر قطعة من ممتلكاته معه.
أعتقد أننا نحن جيل الأحفاد لا نعرف عنه إلا اللمم.
لكن سيرته باقية ومحفورة فى ذاكرة كل من عرفوه.
أذكر أن عم محمود أول من عرفنى على محمد نجيب وحدثنى عن السادات.
وكيف كانت الإسكندرية عندما كان صغيراً.
وكيف كان يزرعها جيئا وذهابا عدة مرات يوميا.
وعندما سألته عن الصورة الأحدث فى مجموعته.
أجاب بعين شاردة إنها لأبنى وليد ... الذى عرفت فيما بعد.
أنه من الناس اللى سابت البلد وهجت........
أجولة متراصة مملوءة بأشياء يجهل معظم الناس معظمها، لكن يعرفها جيداً من يريدها مش دى قرفة...
أيوه ودى قرفة...
أيوه بس دى كاملة ودى مطحونة، طيب ليه الناس بتاخد الكاملة وتسيب المطحونة؟؟
كمون حصى و كمون مطحون ... كسبرة ناشفة .. ملوخية ناشفة...مريمية...
تليو...كراوية....حلبة..........حناء...
أدمنت الحناء على يديه ... وارتبطت معى رائحة السعادة برائحة الحناء...
وتلخصت عندى المكافأة فى قطعة سكر النبات أو سكر القوالب التى كان ينفحنى أياها عندما تخبرة والدتى كم أنا ذكية و مهذبة وعاوزة تطلعى إيه أما تكبرى؟؟؟
زى حضرتك...
ربنا يجبر بخاطرك أنتى تطلعى حكيمة زى بابا وماما.. بس أنتى عارفة العطار كمان حكيم توافقه أمى .... وأندهش أنا أحيانا اتسأل ... هل أحببت عم محمود لأنه عطار ...ام أحببت العطارة حبا فى عم محمود؟؟؟
مررت من أمام دكان عم محمود منذ عده أشهر لم يعد دكان عم محمود.
لقد ذهب عم محمود ...ذهبت معه رائحة البخور .. وقطع السكر واللبان ... والشمع وأوراق الورد الجافة، ذهب عن هذا المكان عبق القرفة والينسون ومزيج جوزة الطيب مع أوراق اللورا رحمك الله ياعم محمود .. لقد كنت آخر ما بقى لى من عهد طفولتى الذى ولى.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة