رامى عطا صديق

ثقافة التنوع والتعددية وقبول الآخر

الأربعاء، 30 سبتمبر 2009 10:49 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أبدع الشاعر الكبير صلاح جاهين (1930- 1986م) رباعيات شهيرة، يقول فى إحداها: لولا اختلاف الرأى يا محترم.. لولا الزلطتين ما الوقود إنضرم.. ولولا فرعين ليف سوا مخاليف.. كان بيننا حبل الود كيف اتبرم؟ عجبى!!

لقد وجدت هذه الأبيات مناسبة ونحن نتكلم فى موضوع التعددية والتنوع وحق الاختلاف وقبول الآخر، حيث تمثل التعددية أو التنوع سمة أساسية من سمات الحياة، فالمجتمع البشرى/ الإنسانى ومنذ بدء الخليقة يتميز بأنه يذخر بالتنوعات ويموج بالاختلافات، وبالطبع ليس المقصود هنا الخلافات والصراعات والتناحرات وإنما الاختلاف الطبيعى بين البشر، وذلك على عدة مستويات، منها الدين واللون والجنس أو النوع الإنسانى والانتماء الفكرى والأيديولوجى.. الخ.

إن التعددية فى جوهرها ظاهرة صحية وسليمة، أظن أنه لا غنى عنها فى المجتمعات الحديثة.. الناهضة والمتمدنة، حيث تمثل التعددية حالة مجتمعية من حالات الغنى والثراء تؤثر إيجابياً على الإنتاج الثقافى للشعوب بشقيه المادى/ الحضارى والمعنوى/ والروحى، كما أن التعددية ترتبط بمعانى الإبداع والابتكار والقدرة على التجديد.

وثقافة التعددية والتنوع ليست ثقافة مناهضة لوحدة المجتمع، كما أنها ليست ضد تماسكه وقدرة أبنائه على العيش المشترك.. الإيجابى والفعال، إذ إن التعددية لا تعنى الفرقة والانقسام، وإنما التنوع الخلاق الذى يشبه لوحة فسيفساء جذابة نتمتع بالنظر إليها، ومن ثم فإنه يمكن أن تكون التعددية فى إطار الوحدة دون تعارض، ولعل أبلغ مثال على ذلك ثورة 1919م التى جمعت أطياف الشعب المصرى على قلب واحد، حيث التف الجميع حول شعار "الدين لله والوطن للجميع"، وكان لهم هدف مشترك هو "الاستقلال التام أو الموت الزؤام".

لقد شهد تاريخنا الحديث والمعاصر الكثير من المعارك الفكرية التى تعلقت فى حقيقتها بحق الاختلاف وحرية الرأى والتعبير، حيث وقف البعض إلى جانب هذا الحق مؤيداً لتلك الحرية، بينما أنكرها البعض الآخر، أذكر هنا أنه عندما خرج المفكر المصرى قاسم أمين (1863- 1908م)، المعروف بمُحرر المرأة، على المصريين بكتابيه الشهيرين (تحرير المرأة- 1899م) و(المرأة الجديدة- 1900م) أنه ظهرت كتابات كثيرة تناولت قاسم وكتابيه بالكثير من التجريح والإساءة لشخصه، ولكن فى المقابل كان هناك من فكَر فى الرد على الفكر بالفكر وعلى الرأى بالرأى وعمل على مواجهة الحجة بالحجة دون سباب ودون تجريح. ولعله ذات الأمر الذى حدث مع الدكتور طه حسين (1889- 1973م) حين وضع كتابه (فى الشعر الجاهلى) فى عشرينيات القرن العشرين، إذ وقف الرجل بين فريقين أحدهما أيد حريته فى البحث والتفكير وحقه فى الاجتهاد وفريق آخر أنكر عليه تلك الحرية.

إن الإيمان بثقافة التعددية والتنوع، فى الانتماءات والأفكار.. إلخ، يساعد كثيراً على تحقيق مساحة أكبر من قبول الآخر واحترامه وتقديره، وقبول الآخر هنا لا يعنى أن تتخلى عن آرائك ومعتقداتك، وإنما هو إيمان حقيقى واعتقاد صادق بحق الآخر- المختلف عنك- فى الوجود والتعبير عن ذاته وطرح آرائه دون اتهامه بالعمالة أو التخوين أو التكفير أو حتى اتهامه بغياب المعلومات أو نقصها.

قد يكون من الصالح لنا الإيمان بأن لا أحد منا يمتلك الحقيقة المطلقة، وأننا جميعاً نسعى ونجتهد، وأن الحقائق التى نصل إليها هى حقائق نسبية ترتبط بما يتوفر لدينا من معطيات، وأنه دائماً يبقى لكل منا إسهامه دون تهميش أو استبعاد للبعض.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة