فى مصر الكثير من ناسها الذين يستحقون أن نكتب عنهم، لعل فى سيرة حياتهم نتعلم بعضا من المعانى التى تغيب عنا هذه الأيام.. من بين هؤلاء الأستاذ السيد ياسين، المدير الأسبق لمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية والأمين العام الأسبق لمنتدى الفكر العربى. والعالم والخبير فى علم الاجتماع السياسى.
كلما قرأت مقالا أو شاهدته فى برنامج تليفزيونى أحمد الله أنه لا يزال فى مصر شخص مثل الأستاذ السيد ياسين، أحد أهم الخبراء فى علم الاجتماع السياسى ليس فى مصر وحدها بل فى العالم كله على الإطلاق، رغم أنه ليس حاصلا على الدكتوراه لا فى القانون الذى بدأ فيه دراساته، ولا فى علم الاجتماع الذى نبغ فيه.
ولا يحرص الأستاذ سيد ياسين على التمسح بشهادة علمية، أو إضافة حرف دال قبل اسمه، لأنه السيد ياسين أهم من ألف لقب ودكتوراه مهما كان موضوع الرسالة العلمية.. ورغم علمه الوفير جدا والقدرة على التفكير العلمى الموضوعى ثم نقل هذه المعرفة للآخرين بأسلوب بسيط، قد يختلف بعض الناس فى ذلك، لكن لا ترى فى الأستاذ السيد ياسين غير تواضع العلماء، وهى صفة كنا نسمع عنها ولا نراها إلا نادرا.
ولا ادعى قربى من الأستاذ سيد ياسين، أو أن بيننا صداقة أو عمل مشترك، لكن المرات القليلة التى التقيته فيها سواء للعمل الصحفى أو فى برامج تليفزيونية، أوصلتنى إلى قناعة أننا أمام إنسان يعيش كما يكتب على الورق وسخر ما تلقاه من علم ليفيد الناس، محاولا طوال الوقت حمل مشعل التنوير رغم خطورة هذا التوجه، لأن الناس غالبا ما يقذفون حملة المشاعر بالطوب.
وقبل أيام قرأت مقالا للأستاذ سيد ياسين بعنوان "هل يمكن تغيير العالم تعقيبا على انخفاض شعبية الرئيس الأمريكى باراك أوباما"، وبدأ سيد ياسين مقاله بعبارة نقلها عن صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية تقول "تغيير النبرة أسهل من تغيير العالم!"، علق عليها قائلا إنها هى ذات دلالة فائقة، ولم يجد غضاضة فى الإشارة إلى مصدر عبارة أعجبته ونقلها بينما يسطو الكثيرون ليس على عبارات وإنما على انتاج علمى كامل.
ويفسر السيد ياسين العبارة بقوله " أوباما الذى سحر العالم بدعوته إلى التغيير، ما أعطى الشعوب أملاً فى حل مشكلات العالم بالحوار وليس بالمواجهة، إذا كان قد نجح فى تغيير النبرة الأمريكية العدوانية التى سادت فى عهد جورج بوش عن طريق خطاباته البليغة، إلا أنه لم يستطع حتى الآن تغيير العالم على صعيد السياسة الداخلية الأمريكية، أو أهم من ذلك فى مجال السياسة الخارجية".
ويقدم الأستاذ السيد ياسين عرضا مفصلا ووافيا لأزمات أوباما ومعاركه الخارجية والداخلية، وينتقل منها سريعا ليقدم عرضا مذهلا لأسباب فشل المحاولة الرأسمالية لتغيير العالم التى قادتها الولايات المتحدة الأمريكية، ثم يتركنا فى نهاية المقال فى حيرة مرجئا الإجابة على سؤال: هل يمكن لأوباما تغيير العالم إلى مقاله القادم.
وهكذا يبدو عالم السيد ياسين، صغيرا جدا بحجم مقال، لكنه كبير جدا إلى حد القفز خارج الكلمات ليصبح العالم كله ضيقا على أفكاره وتحليلاته ودراساته.. لكن أمتع وأجمل ما فى السيد ياسين أنه وهو رجل ثمانينى، لم يفته ركب التكنولوجيا الحديثة.. وحين تراه وهو يكتب ويحلل ظواهر مثل الإنترنت والمدونات والفيس بوك والعولمة وثورة المعلومات تشعر بباحث شاب بدا مع هذه الثورة المعلوماتية وأصبح أحد مفرداتها.. وهذا هو سيد ياسين الذى لا يكتفى بأن ينطلق بفكره عبر الحدود الجغرافية، وإنما يجعل عقله حرا دائما خارج حدود الزمن.. وقيود العمر والجسد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة