تغطية: محمود المملوك ومحمود سعد الدين ونجلاء كمال وميريت إبراهيم ومحمد عبدالرازق - تصوير : عصام الشامى
◄تقدمت بطلب لجوء دينى لفرنسا وترددت على كاتدرائية «نوتردام» للتدليل على تنصيرها لكن السلطات رفضت وأمهلتها 3 أشهر فهربت إلى اليونان
أعاد مشهد القبض على المرأة الحديدية، هدى عبدالمنعم، أو المرأة الحديدية يوم الجمعة الماضى الأذهان إلى أحد أكبر قصص المقامرات المالية التى حدثت قبل 22عاما، بعد أن اقترضت عشرات الملايين من البنوك، كما خدعت الأفراد وحصلت على أراض بشرعية إقامة مشروعات إسكانية لكنها هربت فجأة، ومع عودتها والقبض عليها تمهيدا لمحاكمتها تظل قصه المرأة الحديدية تحمل العديد من الغموض والأسرار.
ومع أول جلسة لمحاكمتها ظهرت هدى عبدالمنعم شاحبة الوجه مكتفيه بقولها «إنها تعانى آلاما شديدة بالبطن لإصابتها بالتهابات بالمعدة وإنها قادمة للاستقرار فى مصر وإنها غير مدانة بأى شىء».
هدى عبدالمنعم محمد إبراهيم، التى خرجت من أسرة بسيطة ببورسعيد وحصلت على دبلوم تجارة عام 1965 وكانت تعمل موظفة على الآلة الكاتبة أرادت بهذه العبارات أن تغلق ملفا مملوءاً بالقصص الساخنة عمرها أكثر من 30عاما هى فترة صعودها وهروبها للخارج بأموال المواطنين، مستغلة شيئا واحدا كانت تملكه فى هذه الفترة هو جمالها الصارخ الذى حولها إلى مليونيرة وسيدة أعمال يخضع لها الجميع من الوزير حتى الخفير، الجميع وضع طوبة فى مسيرة رحلتها نحو القمة حتى عندما سقطت وجدت من يقدم لها جميع الخدمات للهروب بأموال الضحايا.
ملف هدى عبدالمنعم ملىء بأسماء كثير من الشخصيات الهامة، وأصحاب المناصب الثقيلة، الخفى منها أكثر من المعلوم، فبعد حملات الدعاية والتلميع التى كانت تنشرها شركة «هيديكو مصر» مصحوبة بصور لعدة شخصيات على رأسها الدكتور أحمد سلامة وزير الحكم المحلى، يوقع عقود الشركة بجانب حلمى عبدالآخر رئيس اللجنة التشريعية لمجلس الشعب، والدكتور ماهر مهران رئيس الجهاز القومى للسكان، وزج وقتها باسم الدكتور مصطفى السعيد وزير الاقتصاد السابق ورئيس اللجنة الاقتصادية بمجلس الشعب، وهو ما نفاه بشدة موضحاً فى تصريحات خاصة لـ «اليوم السابع»: « لا أعرف هدى عبدالمنعم ولا عمرى قابلتها وماكنتش على أيامى وأتحدى أى حد يثبت الكلام الفاضى ده».
وارتباطاً بالأسماء الكبيرة التى زج بها فى ذلك الملف، يبقى الدكتور محمد إبراهيم سليمان، وزير الإسكان الأسبق وعضو مجلس الشعب الأكثر تردداً، فهو بحسب ما ذكرت مصادر قريبة الصلة بالقضية وقتها أنه تولى منصب المستشار الهندسى لكل المشاريع المعمارية التى نفذتها هدى عبدالمنعم أثناء تواجدها فى مصر مقابل مبالغ مالية ضخمة، وكونا معاً إمبراطورية اقتصادية كبيرة بحكم الخبرة والمال اللذين جمعا بينهما. البعض أشار أيضاً إلى الدكتور على لطفى الذى شغل منصب رئيس وزراء مصر حتى أواخر 1986 كان شاهداً ومعاصرا لإنجازاتها وإمبراطوريتها التى تبنيها.
ولكن فى عام 1987 بدأت رحلة السقوط بعد تلقى المستشار عبدالقادر أحمد على، المدعى العام الاشتراكى آنذاك، بلاغات من الأفراد والبنوك ضد هدى عبدالمنعم لعدم تسليمها الوحدات السكنية لحاجزيها، وتوقفها عن سداد مديونيتها للبنوك، فأصدر قراراً بمنعها من التصرف فى أموالها العقارية والمنقولة، لكنها فاجأت الجميع بهروبها إلى باريس ثم أثينا بجواز سفر مزور باسم مستعار «صفية محمد سلام» وهو اسم زوجة بواب مسكنها بمصر الجديدة بمساعدة الدكتور أحمد سلامة، وفى فرنسا طلبت حق اللجوء الدينى حتى لا تسلم لمصر، وبدأت هدى فى ارتياد الكنائس للتأكيد على تحولها وانتقالها إلى المسيحية، ومنها كاتدرائية نوتردام أشهر كنيسة وعلى «إيل دى لاسيتيه» فى باريس والمعروفة وسط العرب والمصريين بكنيسة العذراء مريم، ولكن إدارة الهجرة والخارجية الفرنسية لم تأخذ الطلب بعين الاعتبار لأنها وجدت أن الاضطهاد بسبب الدين -كما ذكرت هدى- لم يتحقق فيه الشروط ولذلك اضطرت هدى لتشد رحالها إلى اليونان وحصلت على الجنسية اليونانية.
25 عاما قضتها المرأة الحديدية، هدى عبدالمنعم، هاربة فى أوروبا، الجزء الأكبر منها باليونان وأقامت العديد من المشاريع الاستثمارية بها، بعد أن حصلت على الجنسية اليونانية، وأثارت إقامتها هناك العديد من التساؤلات حول السبب الذى جعل اليونان ترفض تسليمها لمصر رغم المطالب التى قدمها الإنتربول المصرى للسلطات هناك، كى يتم تسليمها فى إطار اتفاقية تسليم المتهمين الموقعة بين البلدين، ولكن لم يتم الكشف بشكل صريح عن الأسباب الحقيقية وراء رفض اليونان الموافقة على الطلب المصرى، فخرجت مبررات أقرب منها إلى تكهنات حول الحقيقة: أحدها اللجوء الدينى، والآخر عن حماية الجنسية اليونانية لها، ولكن الأسباب الحقيقية أوضحها مصدر دبلوماسى رفيع بالسفارة اليونانية بالقاهرة لـ «اليوم السابع« قائلا: «إن هدى عبدالمنعم لجأت لحيلة لمنع السلطات المصرية من الحصول على موافقة السلطات اليونانية لتسليمها إلى القاهرة كى تتم محاكمتها، خاصة أن هناك اتفاقية تسليم متهمين بين الدولتين، حيث افتعلت قضايا هناك كى تظل مطلوبة باليونان، فوفقا لاتفاقية تسليم المتهمين بين البلدين، لا يمكن أن تقوم اليونان بتسليمها للسلطات المصرية قبل أن تحاكمها على الاتهامات الموجهة لها بأثينا، وقد فعلت هدى عبدالمنعم ذلك حتى تكسب مزيدا من الوقت كى تسقط القضايا المرفوعة عليها فى مصر بالتقادم، أو حتى توفق أوضاعها».
المصدر نفسه أكد أن ما أثير حول لجوء هدى عبدالمنعم الدينى لليونان غير صحيح، لأن اليونان لا يوجد بها ما يسمى بـ«اللجوء الدينى»، وأن وسيلة اللجوء الوحيدة المتاحة فى اليونان هى اللجوء السياسى للاجئين من الأقليات الذين يتعرضون للاضطهاد، مثل الأكراد أو غيرهم، وهو ما لم تطلبه هدى، وكان المستشار الإعلامى للسفارة كوستاس يناكوديموس قد أوضح لـ «اليوم السابع» فى وقت سابق أن السلطات المصرية لها الأولوية فى التعامل مع هذه القضية لأن الجنسية الأصلية لهدى هى المصرية، بالإضافة إلى أنها تحاكم على جرائم ارتكبتها فى مصر، لذلك لا يمكن للسفارة أو القنصلية اليونانية أن تتدخل فى محاكمتها، فهى هنا تعامل معاملة المصريين، وفى اليونان تعامل معاملة اليونانيين، إلا فى حالة واحدة فقط: إذا قامت هدى بالتنازل عن جنسيتها المصرية وبذلك تكون حاملة للجنسية اليونانية فقط، وتعامل معاملة المواطن اليونانى، فستقوم القنصلية اليونانية وقتها تلقائيا بالتقدم لمساعدتها بشكل قانونى وليس من ناحية سياسية، حيث ستقوم بتوكيل محامى القنصلية لمتابعة سير التحقيقات والترافع عنها فى المحكمة.
وفشلت كل المحاولات المصرية فى إعادتها حتى الجمعة الماضى عندما فوجئ الجميع بعودتها مره أخرى بعد أن حصلت على وعود من كبار الشخصيات بأن ملفها سيغلق نهائيا.. حتى مشاكلها مع البنوك فإنه سيتم حلها سريعا، وهو ما أكده أحمد قورة، رئيس البنك الوطنى المصرى السابق ومدير عام الائتمان السابق فى البنك الأهلى، أحد المتعاملين مع سيدة الأعمال هدى عبدالمنعم، الذى كشف أن القبض عليها يعد «شكليا»، لافتا إلى أنها ليست بالسذاجة التى تدفعها إلى العودة إلى مصر دون التأكد من إجراء تسويات مع البنوك الدائنة، وأضاف قورة أن كل الشواهد تؤكد وجود اتفاق مسبق بين هدى عبدالمنعم والبنوك الدائنة، مضيفا أنها فكرت فى العودة بعد تعديل القانون بإسقاط الإحكام فى حالة تسوية الديون. نفس الكلام أكده صلاح العيوطى، رئيس بنك النيل المندمج مع المصرف المتحد حاليا، مشيرا إلى وجود ترتيبات مسبقة مع هدى عبدالمنعم والبنوك الدائنة من خلال مستشاريها.
مصادر بنكية أيضا أكدت لـ«اليوم السابع» أن هدى عبدالمنعم سددت مديونياتها، وأنه لم يتبق من ديونها سوى مبلغ ضئيل، حيث إن قيمة الأصول التى تمتلكها هدى فاقت حجم المديونية، إلا أن عددا من الخبراء أكد أن من يروج لذلك هو محاميها وإلا فلماذا هربت إذا كانت أصولها تغطى ديونها، لافتين إلى أن اعتبار حجم الأصول ربما يكون من وجهة نظر المحامين تكفى لسداد المديونية، ولكن عندما يتم تقييم تلك الأصول نجد أنها لا تكفى.
بعضهم ساهم فى تحولها من عاملة آلة كاتبة إلى أشهر سيدة أعمال فى مصر ثم ساعدوها على الهرب ومهدوا لها الطريق للعودة:
الدور الخفى لعلى لطفى وإبراهيم سليمان ومصطفى السعيد فى عودة هدى عبدالمنعم
الخميس، 03 سبتمبر 2009 11:28 م