محمد حمدى

السر فى البركة!

الإثنين، 28 سبتمبر 2009 04:07 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
اتصلت بى صديقة إنجليزية تمتلك وتدير حضانة فى المعادى وبادرتنى بالسؤال: هل صحيح أن مجلس الوزاء سيتخذ قرارا بتعطيل الدراسة فى شهرى يناير وفبراير ويغلق المترو ودور الحضانة ودور السينما ويمنع انتقال الناس بين المدن بسبب أنفلونزا الخنازير؟
سألتها عن مصدر المعلومات فأجابت: صديقة صحفية " أعرفها".
طمأنت صديقتى الإنجليزية وأخبرتها أن الأمر قد يكون اختلط عليها أو على زميلتنا الصحفية، فهذا الأمر ليس مطروحا الآن، لكنه قد يؤخذ به إذا انتشر الوباء وضرب بقوة، وتعددت الوفيات وبلغت نسبة معينة تحددها منظمة الصحة العالمية.
هدأت قليلا وقالت: عارف عندى إحساس أنه لن يحدث شىء فى مصر، وأنها ستعبر هذه الأزمة كما عبرت غيرها.

صديقتى تعيش فى مصر منذ سنوات بعيدة وهى متزوجة من مصرى وتدير دار حضانة محترمة جدا، وتؤمن بأن تربية وتعليم النشء رسالة سامية تستحق أن يفنى فيها الإنسان عمره، خاصة فى مصر التى تعشقها عشقا غريبا.

قالت: مصر دى غريبة جدا، لو تعرض أى مكان فى العالم لما يحدث فى مصر مما تنشره الصحف حول تلوث المياه، واختلاط مياه الصرف الصحى بالغذاء والتلوث البيئى والأغذية المسرطنة، والمبيدات المغشوشة وغيرها لانهارت تلك الدول وعانت أزمات صحية وسياسية واجتماعية لم تخرج منها، لكن فى مصر حاجة غريبة جدا.
سألتها ما هى؟.. فنطقت بالعربية المكسرة: بركة.

خارج العقل والمنطق يبدو تفسير الصديقة الإنجليزية، وهو تقريبا ما يقوله كل أجنبى يزور مصر، أتذكر الممثل الأمريكى الشهير مورجان فريمان حينما زار القاهرة ضيفا على مهرجانها السينمائى وتوقف باندهاش أمام حركة المرور فى الشوارع وقال: لم أشاهد ذلك فى أى مكان، كيف لا يحترم الناس قواعد المرور ويسيرون بين السيارات ومع ذلك الحياة تمضى.. وأضاف: أشعر بالرعب كلما فكرت أنه يمكننى عبور شارع من غير المكان المخصص للمشاة!

وفى بداية الثمنينات حضر عدد من الخبراء الأجانب ضمن هيئة المعونة الأمريكية للتخطيط لمشروع الصرف الصحة بالقاهرة الكبرى وكان انطباعهم الأول أنه لا يمكن تنفيذ المشروع إلا إذا تم هدم القاهرة كلها، أو إصابتها بالشلل التام لعدة سنوات، ومع ذلك أنجز المشروع رغم ما سببه فى الثمانينات والتسعينات من اختناقات مرورية!

ومرة سألت خبيرا فى صندوق النقد الدولى فى بالثمانينات أيضا خلال التحول من الاقتصاد الموجه إلى الاقتصاد الحر عن رأيه فى الاقتصاد المصرى فقال "مستحيل صعب الإصلاح، لكن الأهم كيف يعيش الناس فى ظل هذه المعطيات الاقتصادية التى نرصدها؟".. وخلال الأعوام الثلاثة الماضية قبل الأزمة المالية العالمية كان الاقتصاد المصرى قد بدأ فى التعافى وزادت معدلات النمو.
وحين تسأل أى مواطن مصرى كيف يدبر حياته فى ظل دخله المتواضع يقول خليها على الله.. وربنا يبارك.. وهذا الكلام طبعا لا يشمل فتحة الأدراج ومن حلوا مشاكلهم على حساب غيرهم وأباحوا لأنفسهم تلقى الرشاوى لتسهيل معاملات الناس.

وفى التاريخ الفرعونى القديم كان الفرعون إلها على الأرض، لذلك استخدم الألهة البشر الموطنين فى بناء أهرام ومعابد ومقابر كلها تتعلق بالحياة الآخرة، فيما لم يفكر هؤلاء الحكام كثيرا فى دنيا وحياة وحال هؤلاء العمال.. وعاشت مصر قرونا تحت الاحتلال احتلها الرومان وكانت مصر هى سلة غذاء الإمبراطورية الرومانية، واحتلها العثمانيون ونهبوا ثرواتها وأخذوا معهم أشهر وأمهر عمالها فى كافة الحرف لدعم الحضارة التركية.. ومع ذلك ظلت مصر حية وشعبها يعيش ويتنفس.. رغم أنها أكبر بلد تعرض للنهب على مدار التاريخ.

تخيلوا لو لم تتم سرقة مصر طيلة خمسة آلاف عام كيف سيكون حالنا؟.. ولو تعرض بلد آخر لمثل ما تعرضنا هل كان سيظل موجودا على الخريطة؟











مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة