التطبيع مع إسرائيل يستحق مناقشة أكثر جدية من قضية فلانة وفلان، وهذا فَعل وهذا فى طريقه إن أمكنه. فقضية التطبيع مصيرية برأى أصحابها وشائكة فى طبيعتها، خاصة وأن البساط قد سحب من تحت أقدامهم منذ زمن نعرفه جيداً، وإن حددناه فسنجده قد بدأ بمشروع سلام الحكومات مع إسرائيل - من مصر 1979 إلى منظمة التحرير الفلسطينية، وهى الأهم بصفتها الممثل الشرعى الوحيد للشعب الفلسطينى 1993 إلى الأردن 1994 الواقع على أطول حد للحدود مع إسرائيل – وهم كانوا ومازالوا الأساسيين فى أى مناقشة من أى نوع تخص العلاقات الحالية أو المستقبلية مع الخصم الإسرائيلى وسلامهم العملى أو النظرى فيما يخص الفلسطينيين، أتاح الفرصة لفتح مكاتب تمثيلية لهذا الخصم/العدو فى دول عربية أعُدّها هامة للاستراتجيات العربية، ومنها تونس وقطر والمغرب وغيرها، مما خفى أو لم يعلن عنها بعد - لينتهى سحب بساط من المناقشين مع مشروع الجامعة العربية (وهو أيضًا مشروع حكومات) حول كل السلام مقابل كل الأرض، والذى يقال إن جميع دول الجامعة اتخذته وتتمسك به - بما فيها ليبيا والصومال والعراق وموريتانيا والسودان، وبينها فروقات كما بين السماء والأرض أو الليل والنهار- كعنوان لها لكسب الرأى العام العالمى (لا الداخلى) والولايات المتحدة الأمريكية زمن جورج بوش الابن، مما أفرغ كل القضية من المحتوى، ناهيك عن قابلية التطبيق مما جعل منها قضية هامشية وموسمية فى نفس الوقت.
أما ما يتعلق بالقدرة على التطبيق بمعنى نفى إن لم يكن قطع العلاقات أو السعى إليه والمرفوع من جهة أفراد ونقابات مهنية -كجزء من الرأى العام والفئوى - وبين إسرائيل "العدو" فهو يستدعى وبالضرورة الوقوف أمام الحكومات، بينما تقوم الأخيرة على تحييد الموضوع وعدم الانحياز للطرفين المقاطع والمهرول، فهى مع القائل بـ (نعم) وفى نفس الوقت مع القائل بـ (لا)، وهذا يخضع برأيها لسياسة عليا ومصالح استراتيجية، فمن يبغى التطبيع مع إسرائيل فعليه، ومن لا يريده فعليه مع اعتبار تماثل المسئولين الكبار مع القضية نزولاً إلى السادة الوزراء غير محبذ لدرجة يفوقها عدم التعاطف مع الشارع "العاطفي" والثائر، واعتبار ذلك خطاً أحمر لا يجوز تخطيه - وهى الطريقة التى يتم بها تناول الكثير من الأمور الملحة فى المجتمعات العربية جمعاء.
هذا انعكس بدوره على الهدف الذى تبتغيه مناقشة قضية التطبيع مع غياب إمكانية التطبيق ليصبح الهدف نظريًا مقدمًا، ورغم ذلك فلا أدرى عما إذا كان للمناقشة هدف فى الأساس، إلا الحرب فإن لم يكن هذا هو هدفها فهو محاولة إثبات الذات على الساحة الداخلية - بمعنى وجود الآخر أمام الحكومات، وهذا ليس هدفًا فى حد ذاته بل وسيلة ضغط ديمقراطى داخلى ومشروع، على الحكومات أن تأخذه فى الاعتبار عند لقاء "العدو الصيهونى"، والتى تعتبره الحكومات باتفاقاتها ومعاهداتها (وهى دائمًا مع أصدقاء) ليس كذلك.
ومن هنا فإن قضية التطبيع من عدمه ليست لها علاقة بالقضية الأساسية، وهى قضية الشعب الفلسطينى وقضية اللاجئين والقدس إلخ، وإن كانت هناك علاقة ربط يمكن لى أن أسميها بالعلاقة الموسمية، وهى علاقة رد الفعل – لا الفعل – على اعتداءات إسرائيل على غزة والضفة الغربية والتأسى المشروع على أحوال اللاجئين، لتصبح المناقشة حول التطبيع قضية "فش غل"، أو محاولة لامتصاص وتصريف غضب شعبى ظاهر – لا يقبل الكبت - وبصورة مليئة بالإيحاءات القائلة بأن المتمسكين بعدم التطبيع مع "العدو الصهيونى" وكارهيه، هم آخر من يحوز على ضمير هذه الأمة المنهوكة القوى.
لذا فعلى النقاش أن يأخد منحى آخر يبعدها عن شبهة ليست بجديدة عليها، وهى شبهة الآخذ بالثأر – وهو المعتقد فى حالة السيدة هالة مصطفى والتى هدأت بعد عاصفة، فهل يعقل أن تكون السيدة الفاضلة فى مركز دراسات، ولا تلتقى بمن تريد دراسة مجتمعه حتى لو كان هذا هو السفير الإسرائيلى، ولا صورة الوطنى المجروح بالتعاطف مع "المظلوم والملاحق عالميا" فاروق حسنى، وهو الذى نصح من منصبه كوزير لثقافة مصر العربية ومن على المنبر التشريعى الوحيد فى البلاد بحرق كتب، أى كانت هوية هذه الكتب- إسرائيلية كانت أو للخوارج والروافض - وهم كثر. وعلى النقاش أن يأخذ شكل الحركة، والتى عليها أن تؤسس نفسها كقاعدة اجتماعية عريضة لا فئوية لتتجه كحركة ضاغطة (لوبى) بالمفهوم السياسى الأمريكى لتسييس الرفض وبلورته وتسويقه فى شكل مقبول لا انفعالى مجتمعيًا واقتصاديًا ليعقبهما السياسى، وهذا حق مشروع لمن يريد.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة