السياسة والرياضة زعماء وكباتن .. قصة ألكسندر أليخين أعظم عبقرية فى تاريخ الشطرنج الذى اغتاله ستالين

الأحد، 27 سبتمبر 2009 10:40 ص
السياسة والرياضة زعماء وكباتن .. قصة ألكسندر أليخين أعظم عبقرية فى تاريخ الشطرنج الذى اغتاله ستالين جوزيف ستالين قاتل أكبر عبقرية فى تاريخ الشطرنج

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄ستالين أمر باغتيال ألكسندر أليخين لأن الثورة لا تحتاج لعباقرة.
◄الصحف السوفيتية نعت أليخين بعد عشر سنوات من اغتياله.
◄بطولة العالم للشطرنج كانت اختباراً لموازين القوى بين الشرق والغرب.
◄البطل الأمريكى بولى فيشر قال إن "اللاعبين الروس يخافون الهزيمة لأنها تجردهم من امتيازاتهم كبشر".
◄كاربوف اعتبر الفوز ببطولة العالم عودة لملك الشطرنج إلى موطنه الأصلى.
كش ملك.. مات ملك الشطرنج ألكسندر أليخين مقتولاً بأوامر من الزعيم السوفيتى جوزيف ستالين وكان مقتله هو أول اغتيال سياسى لبطل رياضى فى التاريخ الحديث!

الملك ألكسندر أليخين Alexander Alekin كان أعظم عبقرية فى تاريخ الشطرنج، وبطل العالم دون منازع لمدة 19 عاماً فى الفترة من 1927 وحتى اغتياله عام 1946 بأحد فنادق مدينة "ايستوريل" بالبرتغال ليلة الرابع والعشرين من شهر مارس.

وبلغت عبقريته لدرجة أنه لعب مباراة استعراضية خلال زيارته لأمريكا قبل مقتله بسنة أمام 32 لاعباً، وهزمهم جميعاً، وكانوا يجلسون أمام مائدة طولها 40 متراً بينما أليخين يطوف عليهم وينقل نقلته الواحدة بعد الآخر ويتركهم يفكرون حتى يحل عليهم الدور!

وكانوا جميعاً من أبطال أمريكا فى الشطرنج.
أما الجريمة المروعة، فقد وقعت بأيدى عملاء جهاز الاستخبارات السوفيتى الـ KGB .

وأما الجريمة التى اقترفها ألكسندر أليخن فهى أنه كان روسياً وكان عبقرياً، إبان سنوات "الستار الحديدى" التى فرضها ستالين على الاتحاد السوفيتى، وفى تلك السنوات التى امتدت منذ عام 1924 وحتى عام 1953، ولم يكن نظام الحكم الشيوعى فى الاتحاد السوفيتى بحاجة إلى عباقرة قدر حاجته إلى مناصرين ومؤيدين لنظام الحكم الحديدى فى مواجهة الامبريالية العالمية!

ولا يمكن تفسير هذه الجريمة بمعزل عن الاستغلال السياسى للرياضة، واستخدام الرياضة كأداة سياسية لتكريس نظم الحكم وتثبيت دعائمها وخدمة الأيدلوجية السياسية، وتعظيم دور البطل الرياضى، وأهميته السياسية باعتباره ثروة قومية، ووضعه فى رتبة اجتماعية متساوية مع علماء الذرة ورواد الفضاء وكبار القادة العسكريين.

وتأسيساً على ذلك فإن الولاء للنظام يسبق الموهبة الرياضية، وعضوية الحزب الشيوعى تجعل البطل الرياضى فى رتبة أعلى من حيث الامتيازات وفرص التمثيل الدولى، واختيار الأبطال المشاركين فى الأوليمبية، لم يتم وفق معايير فنية فقط، ولكن على قاعدة ماركسية!

أما ألكسندر أليخين (1892ـ 1946) فلسوء الحظ أنه لم يكن شيوعياً ولم يستطع التكيف مع مبادئ الثورة البلشفية ولهذا فقد اعتقل لمدة 18 شهراً فى سجون الثورة إبان حكم لينين وهرب من الاتحاد السوفيتى عام 1926 وعاش منشقاً فى فرنسا، ولأنه كان محامياً، فقد استكمل دراسته بجامعة السوربون ونال الدكتوراه فى القانون وكان موضوع الرسالة عن حقوق السجناء السياسيين فى سجون الاتحاد السوفيتى.

ويوم نوقشت الرسالة وقبل حصول ألكسندر أليخين على الدكتوراه بتفوق صدر قرار إعدامه! وتطلب الأمر انتظار 15 سنة حتى تأتى اللحظة المناسبة لتنفيذ الحكم، وتخليص البشرية من تلك العبقرية التى لم يشهد لها التاريخ مثيلاً فى رياضة العقل والذكاء الفذ الشطرنجى.

كان أليخين قد فاز ببطولة الاتحاد السوفيتى للشطرنج وحاز على لقب "ماستر" وعمره 16 عاماً ولعب مباريات أذهلت خبراء اللعبة، وتبين أنه يمتلك عقلاً إضافياً وذهنية إلكترونية قادرة على حساب المواقف المعقدة والمركبة فى لحظات ويمتلك خيالاً مذهلاً يمكنه من تصور رقعة الشطرنج بعد 10 نقلات قادمة!

وقد نشأ أليخين فى أسرة إقطاعية ثرية موالية لحكم القياصرة وبالتالى كان وأسرته معادين للثورة البلشفية وتخرج فى الجامعة عام 1916 بعد دراسة القانون والتحق بقوات الصليب الأحمر الروسية فى النمسا وشاهد ويلات الحرب العبثية، وعاد إلى بلاده عام 1917 بعد قيام الثورة ليعمل باحثاً اجتماعياً فى مجال الجريمة لكنه اعتقل عام 1919 وأودع بالسجن، ودخل زنزانة الموت للاشتباه فى ميوله السياسية وأفكاره المعادية للاستبداد والمناهضة للحرية. وقد كان مهدداً بالإعدام إلا أن معاونى الزعيم فلاديمير لينين، نصحوه بالإفراج عنه واستخدامه لخدمة الأفكار الماركسية اللينينية.

وخرج بطل الشطرنج ليعمل مترجماً للحزب الشيوعى وسكرتيراً للإدارة التعليمية غير أنه لم يحتمل هذا التناقض مع أفكاره المعادية للماركسية اللينينية وأعد خطة للهرب من الستار الحديدى، تزوج بإحدى المبعوثات الدبلوماسيات وسافر إلى فرنسا عام 1921 ونال الجنسية الفرنسية وبات منشقاً عن الحكم الشيوعى.

وفى عام 1927 بدأت رحلته مع المجد حين أسقط آخر عبقرية شطرنجية فى الوجود وهو اليهودى "كابا بلانكا"، أسقطه من فوق عرش اللعبة بعد مباراة استمرت 43 يوماً لعبا خلالها 34 جولة تعادلا فى 25 جولة وخسر ثلاث جولات وفاز فى ست جولات.
فاز أليخين ببطولة العالم وبجائزة قدرها 10 آلاف جنيه استرلينى من الذهب الخالص وكانت ثروة ضخمة بعدها بسنتين سحق أليخين كابا بلانكا مرة أخرى بعدما فاز فى تسع جولات بينما لم يفز منافسه سوى بثلاث جولات وتعادلا فى تسع جولات.

وفى عام 1932 هزم أليخين 300 لاعب من نيويورك مروراً بباريس ولندن وبرلين واستوكهولم وزيونخ وفى عام 1938 فاز أليخين بأكبر بطولات القرن العشرين وهى بطولة العظماء الثمانية التى أقيمت فى هولندا.

وطوال رحلته مع المجد كانت الاستخبارات السوفيتية تتعقبه وكان يتلقى تحذيرات بالكف عن انتقاد الحكم الشيوعى فى بلاده وتلقى رسائل تهديد وترغيب بالعودة إلى روسيا مقابل امتيازات رفيعة!

فى تلك السنوات كانت أسماء أبطال الاتحاد السوفيتى العالمى الأوليمبى على قوائم منع السفر وعلى قدم المساواة مع علماء الفضاء والذرة والفنانين والأدباء.

وخلال سنوات الستار الحديدى منعت السلطات السوفيتية الاشتراك فى دورات الألعاب الأوليمبية إذ لم يشارك الاتحاد السوفيتى باستثناء عام 1952 فى دورة هلسنكى؛ فقد كان نظام الحكم الشيوعى فى الكرملين يخشى على الأبطال من العدوى السياسية إذا ما احتكوا بأبطال الدول البرجوازية والامبريالية".

وحين شارك اللاعبون السوفييت لأول مرة فى دورة هلسنكى كان رجال الاستخبارات بصحبتهم وفى حراستهم داخل القرية الأوليمبية خشية الانشقاق والهروب أو الإصابة بعدوى أيدلوجية!

ولم يكن الستار الحديدى غريباً إبان سنوات حكم ستالين الذى ورث الحكم عن لينين وقام بتصفيات دموية لمئات الألوف من الروس، وكان أول ضحاياه مستشاره السياسى" سيرجى كيروف" ثم تخلص بعد ذلك من ليون تروتسكى الوريث الشرعى للينين ثم اعتقل زعماء الثورة وفقاً لمنهج مكيافيللى" وهددهم بالإعدام ما لم يعترفوا خطياً بتهمة الخيانة العظمى. وبعدما أجبرهم على الاعتراف وأعلن على الشعب اعترافهم بالخيانة العظمى.. فطالب الشعب بإعدامهم رمياً بالرصاص، وقام ستالين بتصفيات واسعة لخصوم الحزب الشيوعى فى دول أوروبا الشرقية الخاضعة للكرملين.

وكان ألكسندر أليخين على قوائم التصفيات لكونه بطلاً عالمياً شهيراً وكان انشقاقه ولجوؤه لفرنسا كافياً لهدم أى مصداقية لنظام الحكم الشيوعى فى الكرملين.

فى تلك السنوات كانت كتب "ديستويفكى" ممنوعة من التداول رغم أنه كان أحد الأدباء الذين مهدوا بأعمالهم الروائية لقيام الثورة البلشفية وكان الإعدام هو عقوبة من يضبط وبحوزته رواية لديستويفسكى.

سبب آخر لرغبة ستالين فى التخلص من أليخين هو أن الأخير كان بطلاً شعبياً فى روسياً، شأنه فى ذلك شان بديله فى البرازيل، ذلك أن رياضة الشطرنج فى روسيا كانت أكثر انتشاراً من كرة القدم، وقد بلغ عدد اللاعبين المسجلين رسمياً فى الاتحاد السوفيتى وقت مقتل أليخين 3.2 ملايين لاعب، كما أن الشطرنج كان يحتل مكانة متقدمة فى موازية الصراع الدولى بين الشرق والغرب، عموماً وبين الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة على وجه الخصوص، وكانت بطولات العالم للشطرنج أهم ميادين الصراع وأهم ساحات الحرب البديلة" واختيار القوى وامتحان العبقرية، تماماً مثل سباحة التسلح النووى وغزة الفضاء.

ولعب الشطرنج دوراً مهماً فى التفوق العالمى فى مجال الرياضيات وخدمة الأيدلوجية الماركسية وقد دخل الخدمة العسكرية وبات امتحاناً لترقى قادة الجيوش، وفى ذات الوقت دخل التعليم، وبات معياراً للتفوق الدراسى.

وحين فاز "ميخائيل بوتورينك "ببطولة العالم للشطرنج عام 48 فرق بين الشطرنج فى روسيا وأمريكا وقال إن لاعب الشطرنج فى المدرسة البرجوازية يختزل المباراة ويجعل منها تسلية تافهة تماماً مثلما يفعل الطيارون الأمريكيون التافهون؛ بينما الشطرنج فى المدرسة الاشتراكية أداة لإظهار العبقرية البشرية.

وفى عام 1960 قال بطل الشطرنج الأمريكى
"بوبى فيشر" إن الروس يتجنبون منافسيهم بسبب الخوف من الهزيمة التى تجردهم فى بلادهم من امتيازات "البشر" وتهدد نظام الحكم فى الاتحاد السوفيتى! وحين استطاع عالم الكيمياء الروسى "اناتولى كاريوف" الفوز ببطولة العالم إثر تغلبه على فيشر قال: إنه يوم مجيد فى تاريخ الشعب الروسى.. فقد عاد ملك الشطرنج إلى موطنه الأصلى.

نعود إلى د. الكسندر اليخين الذى وجد مقتولاً داخل غرفته بالفندق وقالت التقارير المدنية إنه مات بإسفكسيا الخنق، وروجت المخابرات السوفيتية أن قطعة من اللحم تعثرت فى حلقه وأدت إلى اختناقه وقد ظل جثمانه بمشرحة المستشفى 15 يوماً انتظاراً لأن تتسلمه السفارة السوفيتية فقد أوصى أليخين أن يدفن فى أرض بلاده غير أن السلطات السوفيتية رفضت استلامه، فاضطرت السلطات البرتغالية لدفنه فى البرتغال.

وقالت التقارير التى نشرت فى حينه أن د. اليخين كان يستعد للسفر إلى أمريكا وأفادت تقارير أخرى أن أليخين كان متعاطفاً مع النازية وضد اليهود فى ألمانيا، وكتب ثلاثة مقالات فى انتقاد سلوك لاعبى الشطرنج اليهود أثناء المباريات، وبهذا ظهر متهم جديد فى مقتل د. أليخين.

ولكن فى عام 1956، وبعد عشر سنوات من اغتياله وبعد ثلاث سنوات من رحيل ستالين نعته صحيفة إزفستيا السوفيتية وأشارت بأصابع الاتهام إلى قاتله الحقيقى وهو جوزيف ستالين.

وقالت الصحيفة إن أليخين كان بطلاً فذاً وعبقرية تاريخية وإن دوره السياسى كان مجهولاً وكل خطيئته أنه كان روسياً!

وتسربت أنباء بعد ذلك أن ستالين أعطى أمراً باغتياله وأن أحد مساعديه قال له إن أليخين فى نهاية الأمر سوف يظهر عبقرية روسية فذة فقال ستالين: "إن الثورة البلشفية ليست بحاجة إلى عباقرة"!.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة