مصر، لا تحتاج لتعريف، أما حالها فوصفه صعب.
تلك البلد التى ظلت لعقود محوراً يلتف حوله العرب ويدافعون عن هويتهم بوجوده، أصبحت والضعف يدب فى أوصالها. تطالعنا أخبارها كل يوم بنكسة جديدة، خسارة تدفع خسارة، وكأن عناصر الطبيعة والاقتصاد والسياسة اجتمعت لتقول شيئاً لبلدٍ عتيق وشعبٍ قديمٍ لم يفنه الدهر لكنه أثقل كاهله بهموم حنت عوده وهددت لقمة عيشه ووجوده.
مع هذا لا يعجب المرء لذلك الوضع، فكما قيل دائماً واختبر على مر العصور: الأيام دول. صحيح، وتلك المقولة يستطيع المصريون تصديقها والإيمان بها، لأن بلدهم تلك مرت بكل المراحل التى يمكن أن تمر بها أمة، فشهدت ازدهارات وانكسارات، قاومت المجاعات والحروب والفتن والاحتلال، ونعمت بكونها سلة غذاء العالم وكنانة الله فى الأرض، وموطن الملوك والحضارات.
لكن ما يضايق حقاً هو موقف بعض الإخوة العرب مما تمر به شقيقتهم الكبرى، فلو تابعت تعليقاتهم على مواقع الإنترنت المختلفة إزاء أى خبر يتعلق بمصر وإخفاقها فى أى شىءٍ تجد فرحة غريبة لا يتأتى لمصرى أن يتوقعها من شقيق فى العروبة التى وقفت مصر إزاءها لزمن طويل مدافعة عنها وعن أبنائها، كانت وشهداؤها حائط الصد الوحيد أمام أعداء هذه الأمة، وكان للمصريين فى كل بلد عربى يد فى البناء والنهضة والتحرر، ثم يكون رد الفعل العربى على خلاف ما خدعونا فى المدارس وعلمونا من أن العربى يتسم بالاعتراف بالجميل، إذاً لماذا يقابلون جميل الصنع بالنكران والجحود بل والشماتة الواضحة؟
إنهم الآن وبعد هذه السنين ما عادوا يعترفون أننا قدمنا لهم أى شىء، خاصة الأجيال الجديدة؛ فشهداؤنا الذين ماتوا فوق مختلف الأراضى العربية فقدوا أرواحهم دفاعاً عن مصر، والموظفون المصريون الذين قضوا أعمارهم بين الصحارى العربية من كتاب ومهندسين ومدرسين وغيرهم، والذين أسسوا أول أشكال الحضارة فى هذه المناطق القاحلة التى لم تكن ترد فى الحسبان كدول يعترف بوجودها هم كذلك فعلوا ذلك فقط من أجل المال، وغير ذلك الكثير وفى ذلك حدث ولا حرج.
والسؤال هنا لماذا، ولا أقصد لماذا ينكرون الجميل ولا يعترفون بأى فضل لنا، لا، السؤال فقط هو لماذا يشمتون فى أى كبوة لنا، ويفرحون لأى عثرة حتى لو كانت خطأ بسيطاً فى مسلسل لن يلاحظه إلا واحد من ألف من مشاهدى هذا المسلسل؟
هل استطاع أعداء فكرة القومية فصل مصر عن العرب إلى هذه الدرجة التى تتحول معها كل مواجهة بين المصريين والعرب إلى صراع ديكة، الفائز فيه دائما هو أحد المتفرجين؟
أعتقد أن ذلك إلى حد ما صحيح، لكنَّ هناك سبباً آخر، لقد بلغ العرب سناً قبل الرشد بقليل؛ فهم الآن يعيشون ثورة المراهق الذى يرى نفسه أفضل من أبويه ومن إخوته الأكبر منه أيضاً، إن خبرته فى الحياة بقدر ما يراها الآخرون قليلة يراها هو كل الحياة وأقصى ما يمكن بلوغه لذا فهو حانق على الجميع يسعى للتقليل من شأنهم ويفرح كلما جاءه خبر يؤكد وجهة نظره عنهم. لكن ذلك دون شك يزول إذا بلغ رشده، لذا فعلينا أن ننتظر، وعلينا أيضا أن نتبع المثل القائل: إن كبر ابنك خاويه، فمن كانوا قبل قليل بدواً يعيشون فى الصحراء ولا خبرة لهم بالتحضر أصبحوا الآن يقضون صيفهم على شواطئ فرنسا وأمريكا وينشئون الجامعات الحديثة والمدن المتطورة ويتعاملون بسلاسة مع التقنيات الحديثة. إن علينا التعامل معهم كأنداد لا يحتاجون وصاية من أحد، أما مساوئ المراهقين هذه فسوف يتخلصون منها مع الوقت، وحينها سيعترفون بفضلنا وأفضال آخرين أيضاً عليهم.
أحمد صلاح الدين طه يكتب:مصر والعرب.. صراع الديكة
السبت، 26 سبتمبر 2009 01:52 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة