كم هائل من الروايات والقصص والدواوين والمسرحيات والكتب العلمية يصدره الغرب كله، وليست الولايات المتحدة وبريطانيا فقط، فكيف ينتقى المترجمون من بينهم للترجمة ؟ خاصة فى ظل الشكوى المتكررة من تضاؤل نسبة الترجمة فى مصر والوطن العربى مقارنة بدولة مثل إسرائيل، فما هى معايير الانتقاء لديهم؟.
فى البداية يقول الشاعر والروائى والمترجم طاهر البربرى: أتابع بشكل خاص كل ما يصدر باللغة الإنجليزية، فهناك ملاحق أدبية محكمة وجيدة الصنع تصدر عن صحف مثل "نيوزويك" و"تايمز" و"واشنطن بوست"، هذه الملاحق تمنحنى كمترجم فرصة جيدة للانتقاء من بين كم كبير من الكتب.
ويضيف البربرى: هناك معيار آخر وهى الجوائز الأدبية الغربية، مثل البوكر البريطانية التى تصدر سنويا قائمة قصيرة من ستة روايات هامة، وأنا كمترجم أهتم بالكاتب وبموضوع الكتاب أيضا، وهناك أصوات روائية من الشرق الأقصى جديرة بالترجمة، وبها كتابة إبداعية حقيقية، لكن ليس بالضرورة أن يطرح الكاتب الجيد أفكارا وكتبا جيدة، فالكاتب الأمريكى "جون ابدايك" كاتب جيد، لكنه قام بكتابة رواية مأجورا من الجهات الأمنية الأمريكية بعنوان "الإرهابى.. تحول المسلم والعربى لإرهابى"، فأنا مع ذلك مع ترجمة مثل هذه الروايات وترجمة كل الخطاب الغربى الآخر الذى يشوهنا، حتى تصبح الثقافة مقاومة وتستطيع الرد على الآخر.
بينما يؤكد الروائى ياسر شعبان على وجود مشكلة فى الترجمة مصريا وعربيا، فهى فى معظمها اجتهادات فردية، فمشروع أحمد أمين وطه حسين للترجمة هو الوحيد الذى كان يتميز بفكر واستراتيجية محددة، حيث كان يشمل لجنة من خبراء فى جميع المجالات، لكن الآن كل مترجم يعجبه كتاب يقوم بترجمته دون منطق معين، وأضاف: المشروع القومى للترجمة وهيئة الكتاب لا يقومان بدورهما فى مجال الترجمة، ولذلك نجد كاتبا معينا حاز على نوبل ولا نعرفه، لأننا لا نترجم بطريقة صحيحة، وبشكل شخصى أترجم لأسماء معينة أتابع أعمالها مثل باولو كويليو، كما أتابع أيضا الجوائز الأدبية العالمية ومن فاز بها، وأضاف فى أحيان كثيرة أترجم بدون نشر، لأنه لا توجد جهة مسئولة عن الترجمة، لكن قامت بعض دور النشر مؤخرا بعمل مشروعات ترجمة مثل دار الشروق ودار نهضة مصر.
ويعترض الدكتور بهاء عبد المجيد -أستاذ الأدب الإنجليزى- على الاهتمام السائد بترجمة الأدب فقط، ويؤكد على أهمية ترجمة الكتب العلمية أيضا، لأن الترجمة ليست مجرد نقل من لغة للغة أخرى، بل هى نقل لثقافات الشعوب، ويضيف: أهتم فى المقام الأول بمضمون العمل، وتجذبنى الأعمال الغربية التى يكتبها أجانب عاشوا فى مصر فترة من الزمن، فهى تخبرنا كيف يرانا الآخر عن تجربة حقيقية، كما أحب الترجمة للشعراء الإنجليز الجدد فى الفترة الحالية، والروايات التى تتحدث عن المجتمع الإنجليزى من الداخل كرواية "الغفران" للكاتب الإنجليزى "ايان ماكوين".
ويعتمد الشاعر عماد غزالى على إحساسه العام بالعمل لترجمته، فيقول: ما أشعر فيه بالتواصل والقرب منا كمجتمع أنجذب لترجمته، وأحب اختيار شعراء غير مشهورين وفى أوائل أعمالهم للترجمة لهم، كما أحرص على تجنب الاختيارات الأكاديمية التقليدية، وبالنسبة للرواية أفضل الترجمة لروائيين يكتبون بالإنجليزية لكنهم من أصول مختلفة، لأنهم ذوو رؤى مختلفة عن الكتاب الإنجليز ومحملين بخلفيات ثقافية واجتماعية متباينة، ويضيفون هذه الثقافات والخلفيات على اللغة الإنجليزية، فيكون إحساسى بأدبية العمل كبير للغاية.