تحافظ الصين على قيمة منخفضة لعملتها بالمقارنة مع العملات العالمية بشكل عام والدولار الأمريكى خصوصاً، لأن القيمة المنخفضة لعملتها (اليوان) تعطيها قوة تنافسية فى سعر منتجاتها مما يسهل عليها دخول الأسواق الأجنبية، إن هذه الاستراتيجية الصينية الطويلة العمر استطاعت أن تحول الصين إلى ثانى أكبر مصدّر داخل الولايات المتحدة، ولواحدة من أقوى خمس دول فى التصدير حول العالم
ومكمن هذه الاستراتيجية لدى صناع القرار فى الصين أن القوة الاقتصادية هى السند الأول للقوة العسكرية التى ربما تتآكل بسهولة فى دولة كبيرة الحدود لا تملك قوة اقتصادية كافية لتدير البنية التحتية فى بلدٍ يعد من أكبر بلدان العالم مساحة وتعددية، هذه القوة المتكاملة التى تسند عناصرها بعضها البعض إنما تأتى كقمة لهرمٍ قاعدته الأساسية هى الأيديولوجية التى بنيت عليها الإمبراطورية الاشتراكية والتى تسير كل كبيرة وصغيرة فى سياساتها لخدمة هذا المنطلق وللحفاظ على قوة للأمة الصينية تضمن أولاً وجودها وثانيا تماسكها وثالثا تنافسها فى ما يعرف بحوار الحضارات الذى تأكل فيه الحضارات بعضها بعضا على سبيل الحوار غير الودى، وهنا أطرح المثل الصينى بعيداً عن اختلافى المطلق مع الفكرة الأيديولوجية التى بنى عليها الهرم السياسى، وبعيداً عن اتفاقنا على العجز الديمقراطى فى التجربة الصينية.
لكننا لو حاولنا مقارنة التجربة الصينية مع ما يحدث فى الشرق الأوسط، لن نستطيع التركيز فى تجربة واحدة فالمنطقة متكونة من دويلات متعددة يجمعها مظهر واحد من غياب التنافسية الاقتصادية وشبه انعدام فى الوزن السياسى. لكن يمكن أن يتلخص المظهر الاقتصادى فى مجموعتين أساسيتين، مجموعة دول تتمتع بقيمة عالية للعملة ولا تمتلك أى تنافسية فى إنتاج أى سلعة باستثناء الوقود مما يجعلها رهينة الطلب فى ظل غياب قوة التحكم بالعرض وربطه بالتنافسية السياسية، ودول منهارة على المستوى الصناعى والزراعى وتعانى من تضخم اقتصادى وانهيار فى قيمة النقد. ويجىء هذا الوضع الاقتصادى غير السوى كنتيجة لانعدام الأرضية الأيديولوجية لمراكز صناعة القرار أو لدخوله فى تناقضات مع مصالح شخصية تزيد من تردى الوضع فى الشرق الأوسط، وتسمح لرؤوس الأموال الخارجية بالخروج كمنتصر أساسى وبالتالى زيادة الفجوة فى التأثير السياسى بين دول ما يعرف بالشرق الأوسط والكتل الأخرى فى العالم.
وبالمحصلة، فإن المشكلة الأيديولوجية فى ما يعرف بالشرق الأوسط لا تقف عند كونها توهان فى الانتماء الفكرى على المستوى الاجتماعى وحسب، إنما هى فى الوقت نفسه حالة من عدم التركيز على مستوى صناعة القرار، وبالتالى فهى حالة الهرم بأكمله وليس جزءا من أجزائه، وبغض النظر عن أى مزايدات فكرية أو دينية فلا مجال للإنكار أن هذه المنطقة عرفت أوج قوتها وتنافسها على المستوى العالمى فى وقت كانت مبنية فيه على أيديولوجية صلبة تتفق عليها جميع الأطراف فى قمة الهرم وقاعدته، وجميع الطبقات الاجتماعية برعاعه ونخبته، وبالتالى يمكن للمتأمل فى الصورة الراهنة لما يعرف بالشرق الأوسط أن يتبين أن كارثة أيديولوجية حقيقية تعصف بهذا الجزء من العالم تفقده قوته وتجعله ملعبا سهل المنال للحضارات المتصارعة التى يأكل الجميع فيها الأضعف فالأضعف حتى نهاية الزمان، وللحديث بقية.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة