برديس قرية ضخمة من حيث المساحة أو الكثافة السكانية ومن أقدم قرى الصعيد قاطبة، جميع ممثليها النيابين من مجلس محلى القرية إلى مجلس الشعب تابعين للحزب الوطنى ولا مجال أو أمل فى التغيير حتى إذا تمكن الناس فى لحظة وعى شديدة الندرة من إسقاط مرشح الحزب فى غفلة من حاميته فما تكاد النتيجة أن تعلن إلا والعضو الجديد معلنا ولاءه للحزب ودخوله فى زمرته فيعود الناس وقد اعتلاهم اليأس السياسى القاتل لإرادتهم فى التغيير.
لذلك فقد غابت الرقابة الشعبية النيابية على الأداء الإدارى الحكومى بشكل نهائى إذ لا يعقل أن يحاسب الحزب نفسه فهو المهيمن على كل أطراف اللعبة ولا يقبل أن يحاسب الأعضاء بعد استوائهم على مقاعدهم رجال الإدارة وهم من أتى بهم بالتزوير المادى والمعنوى المباشر والضمنى وبالترغيب والتهديد بل بالعكس سوف يتعاون الجميع لإراحة الجميع وليعمل الكل وفقا لمصالحة وضمانات بقائه.
بناء على ذلك فقد تجلى الفساد فى برديس بشكل تاريخى غير مسبوق وما بقى شىء فى هذه القرية إلا وطالته يد الفساد ورضخ تحت نير الإهمال حتى تآكلت الشوارع وانهارت المرافق وعمت الفوضى ارجائها، وأصبح الناس يتعاملون مع الحكومة كأنها عدو يتربص بهم وبأموالهم ويجب أن يقدموا القرابين وفروض الولاء والطاعة لموظفيها لكى يستخلصوا مصالحهم البدائية أو لكى ينجوا من بطشهم أو لكى يتغافلوا عن مخالفاتهم حتى كرت المبانى العشوائية الحمراء الكالحة على الرقعة الخضراء المزروعة بأقواتهم إلى أن قضت عليها تقريبا ولا أحد يحاسب أحدا.
وأليكم مثالا واحدا وبسيطا عن حجم المأساة وما آل إليه الحال:-
كوبرى واحد يربط برديس بالعالم مبنى منذ أيام الملك- الله يرحم أيامه-أصبح النجاح فى عبوره يستحق التهنئة فقد تضاعف الناس مئات المرات منذ تشييده وقد استولى الباعة الجائلون على جانبيه ولم يبقوا إلا على ممر ضيق بالكاد يكفى لسيارة أو أقل وتتجلى المأساة حينما يغلق المزلقان المكمل للجسر من الداخل حينها تموج السيارات فى المشاة فى التكاتك فى البائهم- أجلكم الله- وتتعالى الصرخات والصيحات والشتائم والسباب والدعاء وطلبات الرحمة إلى أن يفتح الزلقان وما يكاد يفعل حتى يغلق مرة أخرى وكم من مريض مات شهيدا لتعقيدات كوبرى برديس ومن خلفه مزلقانها، وفى نهاية الكوبرى من الجانب الغربى المتصل بالخط السريع- اسما لا فعلا- تقف صور ضخمه كالتماثيل الشاخصة لأعضاء مجلسى الشعب والشورى وصورة للريس وعليها عبارات عن المستقبل والعبور وبالطبع ليس مستقبل برديس أو عبورالكوبرى!!