فى حوار سابق أكد المؤرخ الراحل د.يونان لبيب رزق، أن لدى مصر وثائق تكشف عن حقائق وأحداث هامة مرت فى تاريخنا المعاصر، لكن تفرق دمها بين الوزارات والهيئات الحكومية، فبعضها لدى وزارة الخارجية وبعضها لدى وزارة العدل، والمتحف القضائى التابع لوزارة العدل الذى يضم محاضر التحقيقات عن الأحداث التاريخية الضخمة.
كما أكد الراحل أن رئاسة الجمهورية تحتفظ بوثائقها بشكل خاص، أثار ذلك عدة تساؤلات، منها: هل تلتزم الوزارات والهيئات الحكومية بالقانون الذى يحتم عليها إيداع وثائقها داخل دار الوثائق القومية؟ وهل توجد معوقات تمنع الاطلاع على وثائق معينة لأسباب معينة؟ وهل يلزم القانون كل مسئول حكومى يترك منصبه بإيداع وثائقه لدى دار الوثائق وعدم إتلافها أو اصطحابها معه؟ وهل هناك فترة حجب قانونية تصبح بعدها الوثائق التاريخية أو الحكومية متاحة للجميع؟
بدايةً أكد د.محمود فهمى حجازى – أستاذ علوم اللغة العربية بأحد جامعات كازاخستان- أننا فى مصر لا نهتم بالوثائق، على عكس الغرب، لدرجة تجعل العديد من الباحثين المصريين يلجئون للوثائق فى إنجلترا وتركيا مثلا، أيضا المسئولون الحكوميون بالخارج يتم أخذ أوراقهم ووثائقهم بمجرد تركهم لمناصبهم عكس المسئولين فى مصر يتركون مناصبهم وأوراقهم معهم، لأنهم فى الغالب خائفون من المسئولية أو أن تكون هذه الوثائق ضدهم.
ويضيف د.عاصم الدسوقى – أستاذ التاريخ بجامعة القاهرة - أنه من المفترض بمجرد إيداع الوثائق بدار الوثائق القومية تصبح ملكا للدار، إلا أن الواقع يقول إن الوثائق حتى تكون متاحة للاطلاع تظل خاضعة للوزارة أو الهيئة الحكومية التابعة لها، فمثلا هناك وثائق سمحت وزارة الخارجية باطلاع باحثين عليها منذ 20 عامًا، تم منع الاطلاع عليها هذه الأيام بدون سبب واضح أو نظام ثابت بالرغم من توافرها بدار الوثائق القومية، وأضاف أيضا أن المقارنة ظالمة بين نظام الاطلاع عل الوثائق فى مصر ونظيره البريطانى مثلا، ففى بريطانيا فى أول يناير من كل عام تتم فهرسة الوثائق هناك، وربما يوضع لفظ "مغلق" أمام بعض الوثائق بالفهرس ليشير إلى عدم إتاحتها لأن أحد أطرافها مازال على قيد الحياة.
وعلى الرغم من إشادة الأديب الكبير جمال الغيطانى بالتطور الحادث فى الخمس سنوات الأخيرة بدار الوثائق القومية المصرية الذى لا يناظره تطور فى الشرق الأوسط - على حد قوله - إلا أنه يؤكد أن المشكلة هى عدم وجود نظام بالدولة أو تشريع جاد يلزم الجهات الحكومية خاصة السيادية منها بإيداع وثائقها بالدار، ويؤكد وجود كارثة فيما يتعلق بالوثائق العسكرية، فهناك باحثون أمريكان كانوا يجرون بحثا عن حرب 1948م وفشلوا فى الاطلاع على الوثائق الخاصة بها فى مصر، فاضطروا إلى الذهاب إلى إسرائيل وتركيا للاطلاع على هذه الوثائق هناك، بذلك أصبحت وجهة النظر المصرية غائبة عن هذا البحث، وذلك بسبب معاملتهم من الجهات الأمنية كجواسيس لمجرد أنهم باحثين أجانب.
ويؤكد الغيطانى وجود وثائق تاريخية هامة تحت أيدى أفراد غير متوافرة بدار الوثائق، كما يطالب الغيطانى بتخفيف قبضة الأمن على الوثائق من حيث إتاحتها للباحثين بما لا يتنافى أيضا مع الأمن القومى الحقيقى لمصر، خاصة أننا عرفنا أهمية الوثائق التاريخية فى نقاط فارقة بالتاريخ مثل قضية طابا التى اعتمدت على وثائق وخرائط لولا توافرها لما كسبت مصر قضية التحكيم الخاصة بها، ويؤكد أيضا وجوب إلزام المسئولين الحكوميين بتسليم وثائقهم الخاصة بعملهم لدار الوثائق بمجرد تركهم مناصبهم.
ويقول د.رفعت هلال - رئيس دار الوثائق القومية - أن هناك لائحة عامة تعرف باسم "لائحة المحفوظات الحكومية" آخر إصدار لها مايو الماضى تنص على إلزام الجهات الحكومية بحفظ وثائقها وعدم التخلص منها إلا بآليات معينة، وبدأت بعض الجهات الحكومية الالتزام بهذه اللائحة، لكن هذه اللائحة ليس لها صفة الإلزام بتسليم الوثائق إلى دار الوثائق القومية للأسف الشديد، لذلك قمنا بتقديم مشروع قانون لتطوير هذا القانون وإعطائه صفة الإلزام بنظرة مختلفة للوثائق من حيث تعبيرها عن تاريخ مصر وذاكرتها، وأن أى وثيقة تاريخية ليست ملكا لجهة حكومية لكنها ملكا للدولة والشعب، أما عن فترة الحجب يضيف: أنها منظمة بقرار جمهورى يحدد فترة الحجب من 15 إلى 50 عاما حسب أهمية الوثيقة تاريخية أو حكومية.
ويؤكد أيضا أن كل مسئول "عايش مع نفسه" وغير ملزم بتقديم أوراقه ووثائقه قبل تركه لمنصبه، فأى وثيقة لها عمر إدارى خمس سنوات بعدها يجب تحديد مدى أهميتها وهل هى تاريخية أم لا، ثم الإعلان عنها وتحديد مدة حجبها، كل هذه الخطوات السابقة لا تتم فى مصر للأسف، ويضيف أننا أمامنا الكثير للوصول إلى مرتبة الأرشيف البريطانى مثلا الذى يعتبر مؤسسة اقتصادية تمثل ثالث مصدر للدخل القومى بعد السياحة والبترول من خلال بيع وشراء الوثائق - النسخ وليست الأصول - لأنهم لا يعتبرون أن بيع وثيقة يضر بأمنها القومى.