أزمة الثقافة العربية، توجه تفكيرنا باتجاه الفكر السياسى العربى، مثلما توجه أزمة الشرق الأوسط تفكيرنا باتجاه هذه الأزمة، وعندما نتحدث عن أزمة الثقافة العربية وأزمة الفكر العربى بكل أنواعه، لا يمكننا تجاهل الصلة والعلاقة والتأثير المتبادل بينهما وبين أزمة الفكر السياسى العربى، فقد انعكست أزمة الفكر السياسى العربى على مختلف أوجه نشاط الإنسان العربى وهذا أمر طبيعى.. بل هو أمر حتمى.. وانعكست أزمة الفكر العربى بكل أنواعه على الفكر السياسى.
فضاعفت من أزمته وهذا أمر طبيعى وحتمى أيضا.. ونحن لانتوقع توفر ثقافة عميقة ومؤثرة وواسعة وحركة أدبية وتطور فكرى، فى ظل فكر سياسى لا يضع الفكر والثقافة فى الموضع اللائق بل ويجهل تأثير الثقافة فى بلورة وإنضاج الفكر السياسى نفسه.. كما أننا لا نتوقع وجود فكر سياسى ناضج متبلور، لا ترفده روافد كثيرة من الثقافات، وأنواع الفكر الاقتصادى والاجتماعى، والتاريخى، ولسنا نبالغ إذا قلنا إن من أبرز أسباب أزمة الفكر السياسى بشكل عام والفكر السياسى العربى بشكل خاص، أنه لا يقدر تقديرا منصفا لدور الفكر والثقافة، بل إن من عوامل نضوبه وتصلبه أنه لايتلقى روافد الفكر الأخرى ولا يستمد منها القدرة على النفاذ واتساع محيط الرؤية ولا يستعين بها للتمييز الدقيق والضرورى بين الظواهر المتشابهة، والتى كثيرا ما تحمل تناقضا جوهريا فى المحتوى، بل كثيرا ما تخدع وتضلل.. وأن هذا الفكر كثيرا ما يهتم بالبناء الخارجى للإنسان، أكثر من اهتمامه بتكثيف وتقوية البناء الداخلى له،أو فى تربيته على فهم مدلولات الحرية والقيم الإنسانية والإيمان بها، والتضحية من أجلها، وتكريس الانتماء للوطن والمبادئ والقيم الإنسانية كبديل لكل الانتماءات الأخرى، والفكر السياسى أى فكرسياسى.. أعجز ما يكون بل أنضب ما يكون، عندما يفهم السياسة أو يتعاطاها كأساليب أوكمعادلات معزولة عن الفهم الأشمل لدور الفكر؛ بل عندما يجعل من نفسه البديل الوحيد، والناسخ، لكل أنواع الثقافة والفكر، إنه بذلك يصنع المأزق الذى يحاول الإفلات منه ويواجه المشكلات التى يخلفها بنفسه، ونحن لا نستطيع تصور فكر سياسى مؤثر وناضج وفاعل فى التاريخ لا يرفده الكثير من أنواع الثقافات.. بل إننا لا نستطيع تصور فكر سياسى يفتقر إلى هذه الروافد، بأكثر من مجرى واسع لا يحتوى إلا على ساقية تزداد شحا ونضوبا، كلما ازداد هذا المجرى طولا وتعرجا؛ فالروافد الثقافية والفكرية هى التى تنقذه من خطر النضوب، بل هى التى تجعل منه قوة تغيير الواقع وتغمره بالخصب والنماء.. ولعل أكبر ضمانة للفكر السياسى الجماهيرى، بل للفكر السياسى العربى، أن يطلق حرية الفكر بأنواعه، ويحميه، ويشجعه، بل يحرضه، ويزيل من أمامه كل أنواع المحرمات، والمحظورات، إذا كان هدف هذا الفكر خدمة الجماهير... بهذا التبادل، والتمازج بين الفكر السياسى العربى، وأنواع الفكر والثقافات الأخرى.. ننقذ الثقافة؛ بل ننقذ الفكر السياسى العربى.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة