يسرى فودة

المغربى والحِمْل الثقيل

الجمعة، 18 سبتمبر 2009 12:28 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من السهل، نعم، لكنه أيضا من المطلوب، أن يركز الناس، وفى مقدمتهم الصحفيون، على «سلبيات» الأداء الحكومى؛ فهذه سمة «ديمقراطية» إذا جاز لنا أن نستعير إحدى مفردات أحمد المغربى، وزير الإسكان والمرافق والتنمية العمرانية، والإنجازات الحقيقية إن لم تستطع الحديث عن نفسها لا تكون إنجازات، فقط الإخفاق لا أب له ولا أم، ولذلك نتبناه، لا من أجل أن يترعرع، بل من أجل أن نتعلم كيف نتجنبه.

قليل الكلام وقليل الانفعال ودائما يملؤه تفاؤل مريح وتعلو وجهه ابتسامة حريرية، لكنّ المشكلة أنك وأنت فى الطريق إليه لا تدرى من أين تبدأ معه وإلى أين تنتهى، تيفود القليوبية ومطار إمبابة وجزيرة الدهب ومقابر الشافعى والإيجار الجديد وضرائب العقار و«ابنِ بيتك» وملاعب الجولف و«القاهرة 2050» كلها عناوين عريضة لأمثلة مما يدخل ضمن مسئوليات وزارة تحتاج إلى وقت ومجهود كى تتذكر اسمها بدقة.

هو أيضا مزدوج الجنسية كونه يحمل، إلى جانب جواز سفره المصرى، جواز سفر سعوديا، لكنّ ذلك لا يدعونا بالضرورة إلى الشك فى ولائه، وهو من أعلام رجال الأعمال المصريين الكبار من قبل أن تسند إليه وزارة السياحة ثم وزارة الإسكان، لكنّ ذلك لا يدعونا بالضرورة إلى الشك فى دوافعه، نريد فقط أن يقول لنا إن كان يشرب من ماء «الحنفية» مثلما يشرب عامة الشعب الذى من المفترض أنه يخدمه ويحصل منه فى النهاية على راتبه.

نسأله فيرد دون تردد: «طبعا، طبعا»، وهى إجابة قاطعة تدعونا إلى الإعجاب وتدعونا أيضا إلى تقدير حقيقة أنه لا بد من أنه لم يشأ أن يزعجنا بأخبار إصاباته المتكررة بالتيفود والطفح الجلدى والتلوث المعوى والفشل الكلوى التى يصاب بها عادةً من يشرب من ماء الحنفية فى مصر أو حتى يستعملها فى غسل الخضار، اللهم إلا إذا كانت مواسير المياه التى تصل إلى فيللا المغربى فى المنصورية تحمل مياها معدنية.

عن نفسى، أنا مذنب وأعترف بذلك وأستحق نقمة وزير المرافق وعامة الشعب المصرى بأسره؛ فأنا لا أشرب منذ عودتى إلى مصر إلا مياها معدنية يقتطع ثمنها من دخلى جزءا لا يستهان به، بل إننى لا أجد فى قلبى من الشجاعة ما يكفى كى أغسل الخضار أو أصنع الشاى أو القهوة بماء الحنفية، وإذا كان الذين يشاهدوننى على التليفزيون قد لاحظوا تصاعد إيقاع تساقط الشَّعر من على رأسى فلأننى ببساطة لا أملك من المال ما يسمح لى بالاستحمام بمياه معدنية، أدعو الله فقط أن يتأخر ظهور أعراض الجَرَب إلى حين الانتهاء من إعداد البرنامج الجديد على قناة «أون تى فى».

وللإنصاف، لا بد أن نتذكر دائما وزن الحِمْل الثقيل الذى ورثه وزير الإسكان والمرافق والتنمية العمرانية أبا عن جد فى ثلاثة قطاعات حيوية تمس عصب الحياة اليومية للمصريين، هذه فقط بعض الحقائق التى لا بد من أن يتعامل معها بصورة أو بأخرى: عدد سكان مصر حوالى 80 مليوناً، 60% منهم تقريبا دون سن الثلاثين، وكل عام يدخل عش الزوجية حوالى مليون يأتون لنا بمتوسط زيادة سنوية فى عدد السكان مقداره حوالى مليون وثلاثمائة ألف مواطن جديد، عدد سكان العشوائيات حوالى 8 ملايين موزعين على حوالى 800 منطقة عشوائية بعرض مصر وطولها.. عدد سكان المقابر فى القاهرة وحدها حوالى نصف مليون.. ما هو متوفر من شبكات للمياه ينتج حوالى 27 مليون متر مكعب يوميا، من المياه يتسرب منها ثلثها تقريبا، وهى نسبة تفوق ضعف نسبة الفاقد فى معظم دول العالم، أما الصرف الصحى فإن شبكاته لا تصل إلى أكثر من نصف البلد، وهى مصيبة.

لا أظن أن أحدا منا سيتأخر عن المساعدة فى تحمل ما يستطيع أن يتحمل إذا أحس أولاً بالعدالة وبالنية الخالصة وبالإرشاد الدقيق فى إطار خطة واقعية صادقة، تشعر بإيمان من الوزير أحمد المغربى بهذه المقدمات الحاسمة، يبقى أن يشعر المواطن اليوم بنتائج لها ملموسة على أرض الواقع؛ فلا رأيى ولا رأى ألف كاتب ولا أرقام الوزير ولا الإنجازات الستينية لرئيس الحكومة الإلكترونية ستقنع أحدا، ماء الحنفية هو الذى يمكن أن يفعل.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة