يخشى غدر العرب والأفارقة أثناء الاقتراع "السرى".. وأكثر ما يؤرقه الابتعاد عن لوحاته..

فاروق حسنى يغير خطته للفوز بـ"اليونسكو" قبل ساعات من بدء الانتخاب متجاهلا مستشاريه

الخميس، 17 سبتمبر 2009 02:00 م
فاروق حسنى يغير خطته للفوز بـ"اليونسكو" قبل ساعات من بدء الانتخاب متجاهلا مستشاريه وزير الثقافة فاروق حسنى
كتبت سارة سند

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كتلميذ ينتظر نتيجة امتحانه، يعيش حاليا وزير الثقافة فاروق حسنى بفندق فخم بإحدى ضواحى العاصمة الفرنسية باريس، ينتظر يوم 18 سبتمبر 2009، فهو اليوم الأول لانتخابات معركة اليونسكو لتبدأ بعده أربع جولات تصويت قبل الاجتماع العام للدول الـ193 الأعضاء بالمنظمة فى أكتوبر المقبل.. ينتظر حسنى أن يأتى هذا اليوم بنتائج فارقة فى سنواته المقبلة، لكنه لا يعرف تحديدا نتيجة انتظاره الذى لا يملك سواه الآن.

وعلى عكس معارك فاروق حسنى السابقة – والتى خرج منها جميعها منتصرا- بدا الخوف والقلق واضحين على ملامح حسنى وهو فى طريقه إلى الطائرة التى تقله إلى باريس، فالوزير الذى لم يتعود الهزيمة، لأنه مسنود دائما من قبل النظام، يواجه هذه المرة معركته وحيدا، بدون دعم شعبى يذكر، وحتى الدعم الرسمى يبدو ضعيفا وغير قادر على المنافسة وسط مجتمع دولى له حساباته وتوازناته المختلفة والتى ليس من بينها مطلقا دعم فاروق حسنى للوصول لمنصب مدير عام لليونسكو أكبر مؤسسة لدعم الثقافة والعلوم على مستوى العالم.

حسنى اختار فرنسا ليقضى فيها الساعات الأخيرة قبل معركة "اليونسكو" ليس لأنها مقر الاقتراع، ولكن لأن الوزير المصرى على مدار معركته الانتخابية لم يثق فى دعم وتأييد دولة له كما وثق فى فرنسا، فالوزير كان على يقين تام بأنه حتى لو خسر دول أوروبا فإن فرنسا ستظل جانبه مرشحة ومؤيدة له، يرجع ذلك للعلاقات القوية التى تربط حسنى بباريس، فالرجل يعرف شوارع وضواحى فرنسا أكثر مما يعرف حارات وأزقة مصر، ولديه معلومات عن الثورة الفرنسية أكثر وأعمق من التى لديه حول الثورات المصرية، وهو أمر ليس غريبا على حسنى الذى قضى بفرنسا سنوات حياته المهنية، حيث عمل كملحق ثقافى بالسفارة المصرية بباريس، الأمر الوحيد الذى يعكر صفو حسنى هناك هو إعلان برنار كوشنير وزير الخارجية الفرنسى منذ أيام قليلة أن بلاده لا تبدى تفضيلا للمرشح المصرى المثير للجدل فى سباق انتزاع المنصب الدولى، وهو الأمر الذى سبب صدمة جديدة لحسنى تضاف لصدمة ترشيح فريرو، وإن كان يحاول الآن التفكير فى حل سريع للخروج من المأزق الذى وضعته فيه فرنسا.
علاقة حسنى بباريس تخلق علامة استفهام كبيرة لدى الجميع، استخدمها معارضوه كدليل إدانة ضده، وعمل مؤيدوه على استخدامها كدليل على وطنيته وإخلاصه لبلده مصر، حيث كشف د.يحيى الجمل عن عمل وزير الثقافة المصرى فاروق حسنى فى جهاز المخابرات المصرية أثناء فترة تواجده فى باريس، وكانت مهمته حماية الطلبة المصريين من الموساد الإسرائيلى- النشط وقتها- وذلك من خلال كتابة تقارير ومعلومات حول الطلبة.. "كيف يمكن لشخص يكتب تقارير فى زملائه أن يصبح مديرا لأكبر مؤسسة تدعم الثقافة والعلوم؟" هو السؤال الذى يستخدمه معارضوه بشدة فى الوقت الحالى لمنع وصوله للمنصب، ويتردد أن ذلك نفس السبب الذى يجعل إسرائيل والمنظمات اليهودية الخارجية ترفض ترشيح حسنى للمنصب بتلك القوة والعزيمة، فالأمر لا يتوقف فقط على تصريحاته بشأن "حرق الكتب الإسرائيلية"، إنما يرجع ذلك إلى التاريخ العدائى الذى يجمع حسنى بإسرائيل.

ولأن انتخابات اليونسكو أصبحت قاب قوسين أو أدنى، ولا وقت للبكاء على لبن فرنسا المسكوب، اعتمد حسنى حاليا على خطة بديلة للفوز بالمنصب، ورغم أن حسنى اصطحب معه وفدا رفيع المستوى من مستشاريه، منهم محمد غنيم وكيل أول الوزارة ومستشار الوزير وحسام نصار مستشار الوزير للعلاقات الخارجية والمسئول عن ملف اليونسكو، إلا أن الوزير فى خططه الخارجية لا يثق فى معاونيه، يعتمد على نفسه فقط فى وضع الخطط، ويعتمد على مستشاريه فى تنفيذ الخطط التى وضعها بنفسه، حيث أكد حسام نصار لليوم السابع أن الوزير هو الذى يضع جميع الخطط بسبب علاقاته الخارجية القوية.

خطة حسنى، البديلة تقوم على الاعتماد على تكتلات أخرى مختلفة عن الخطط التى وضعها سابقا، فالاعتماد على الدول الأوروبية لم يعد مجديا، وأصبح الاعتماد على صوت دولة إسرائيل هو الأجدى والأكثر تأثيرا ونفعا.. رسميا تمتلك إسرائيل صوتا واحد، فعليا تؤثر إسرائيل فى أصوات أكثر من 10 دول غيرها، والأمر ظهر جليا بعد اختلاف موقف الولايات المتحدة الأمريكية من ترشيحه، فأثناء العلاقات المتوترة بين حسنى وإسرائيل أعلنت أمريكا بأكثر من طريقة رفضها للمرشح المصرى، واعتقادها بأنه لا يصلح لهذا المنصب الدولى الكبير، لكن المفارقة جاءت بعد التصالح الذى حدث بين الوزير وإسرائيل والذى على أساسه أعلنت إسرائيل بعده بأنها لن تقف ضد ترشيح فاروق حسنى، فرد حسنى لها هذا الجميل من خلال "آسف" رسمى نشر بجريدة لوموند الفرنسية يعتذر فيه حسنى عن تصريحه – غير المقصود- بحرق الكتب الإسرائيلية – فما كان من أمريكا إلا أن تعدل من موقفها وتعلن تريثها فى اختيار مرشح اليونسكو، وبدا الإعلام الأمريكى أكثر ترحيبا وأقل تخوفا من وصول حسنى للمنصب، ولا يوجد أدل على ذلك من العمود الذى كتبه الكاتب الأمريكى البارز روجر كوهين والذى دعا فيه إلى وصول وزير الثقافة المصرى فاروق حسنى إلى رئاسة منظمة اليونسكو، ثم "إدخاله الخيمة" والضغط عليه من خلال الدعم المالى الضخم الذى تقدمه الولايات المتحدة للمنظمة كى يقوم بمحاربة ما وصفه بـ"معاداة السامية" فى العالم العربى.

كوهين تابع قائلا "من خلال المساهمة الأمريكية الضخمة فى ميزانية اليونسكو كإحدى أدوات النفوذ، دعونا نضغط عليه بقسوة كى يحارب التعصب المعادى للسامية الذى يسمم النفوس العربية الشابة، وكى يفضل الحوار، ويفتح العقول العربية للعلم والتعليم، ويحتضن السلام الذى أُنشئت اليونسكو من أجل تعزيزه، من خلال تجفيف البئر السام الذى كان يستقى منه حقده الذى ندم عليه الآن".

اليهود.. جزء أساسى من خطة فاروق حسنى البديلة، سواء يهود الخارج أو المتبقى من يهود الداخل، حيث سعى حسنى بكل الطرق كسب تأييدهم ودعمهم من خلال مجموعة من التصرفات التى اعتبرتها إسرائيل دليل "محبة وتصالح"، مثل النشاط والهمة الذى يجرى بهما حاليا عملية ترميم الآثار اليهودية فى مصر وهو ما دفع صحيفة معاريف الإسرائيلية إلى اعتبار عمليات الترميم "هدية من تحت الطاولة من وزير الثقافة فاروق حسنى، للحكومة الإسرائيلية" بحسب تعبير الإسرائيلى جيكى حوجى كاتب المقال.

جهود حسنى الحثيثة تجاه المنظمات اليهودية أتت بثمارها بعض الشىء، حيث أعلن مسيو إيف فضيضة رئيس جمعية النبى دانيال التى تضم أغلب يهود فرنسا من الأصول السكندرية المصرية عن عزم الجمعية إقامة حفل تأييد للمرشح المصرى فى مجلس الشيوخ الفرنسى الأربعاء المقبل، قبل يومين فقط من بدء معركة "اليونسكو".

حسنى، وهو جالس فى غرفته بالفندق الفرنسى الراقى، يعلم أن الرفض الخارجى له لم يقتصر على التصريحات المعادية، إنما دخل منذ ما يزيد على الشهرين فى حيز التنفيذ الفعلى لمنع وصوله للمنصب العالمى، ففى الوقت الذى اعتقد فيه حسنى أنه أقوى المرشحين للمنصب بعد أن امتنعت أوروبا عن ترشيح ممثل لها، بناء على وعد سابق للدول العربية بعدم ترشيح أوروبى وبأن الدور على العرب تلك المرة، فوجئ حسنى فى اليوم الأخير للترشيح للانتخابات بقيام النمسا بدفع فالدنر بينيتا فيريرو مفوضة الاتحاد الأوروبى لخوض انتخابات منصب اليونسكو، وهو الأمر الذى أصاب حسنى بحالة من الهلع وفقدان التوازن، حيث علم جيدا منذ البداية التأثير السلبى للترشيح الأوروبى والذى سيسلب منه بكل بساطة كل الأصوات الأوروبية التى حصل عليها حسنى بشكل غير رسمى من عدد من الدول خلال زياراته المستمرة طوال العام الماضى للحصول على هذا الدعم.

بوادر تخلى أوروبا عن مساندة حسنى بعد ترشيح فيريرو بدت واضحة وجلية على دولة أوروبية مثل ألمانيا، العلاقة الوطيدة الحالية والتاريخية التى جمعت بين ألمانيا والنمسا تجعل من الصعب عن الأولى عدم مساندة مرشح الثانية فى مقابل دعم حسنى، مما جعل ألمانيا تنسحب تدريجيا عن وعدها السابق – غير الرسمي- بدعم حسنى، وذلك من خلال مجموعة ضخمة من المقالات الصحفية الرافضة للمرشح المصرى، ففى خلال 48 ساعة فقط، كتبت الصحف والمجلات الألمانية أكثر من 42 مقالة ضد حسنى، تشرح وتفسر وتنادى بكل الطرق بالوقوف كحائط صد ضد فاروق حسنى لمنع وصوله لمنصب اليونسكو، والأدلة من وجهة نظرهم كثيرة، والشواهد أكثر، فيكفى أنه معاد للسامية وعلى استعداد لأن يحرق كتب إسرائيلية، وهو الأمر الذى يسبب حساسية شديدة للمجتمع الألمانى بسبب عقدة الذنب تجاه إسرائيل.

ويحاول حسنى فى تلك الفترة التأكيد على الدعم العربى والأفريقى له، فبرغم الحصول على موافقة شفوية من أكثر من 20 دولة عربية وأفريقية على تأييده فى الانتخابات إلا أن حسنى مازال متخوفا منهم، خاصة أن الاقتراع سرى، ويتوقع وقت الانتخاب أن يحدث نوعا من الغدر والخيانة من جانب تلك الدول، بحيث تتجه أصواتهم إلى مرشحى الدول الأخرى.

أكثر ما يؤرق حسنى فى أمر انتخابات اليونسكو، ليس فقط المنافسة مع الدول الأخرى، وضغوط اللوبى الصهيونى، إنما أيضا اختلاف أسلوب حياته فى باريس عن النظام الصارم الذى يسير عليه فاروق حسنى أثناء تواجده بمصر، نظام وضع قواعده منذ ما يزيد على 21 عاما هى فترة وجوده بمنصبه كوزير لثقافة مصر ولمثقفيها، لا يغيره الوزير إلا فى أندر الحالات، والتى غالبا ما تكون كوارث يمر بها أحد قطاعات الوزارة، لكن سرعان ما يعود لناموسه الطبيعى مرة أخرى... ينام مبكرا وينهض أيضا مبكرا فى حوالى السابعة صباحا، يتجول فى أرجاء قصره بمنيل الشيحة على النيل مباشرة (وهو القصر الذى كتب فاروق حسنى فى وصيته أن يوهب للدولة بعد مماته ويتحول إلى متحف)، يجلس حسنى على أريكته المفضلة يتصفح الجرائد، ليطمئن على أن من معه ما زالوا معه، ويأمل أن ينسحب معارضوه إلى خانة أصدقائه، يتحرك من قصره فى حوالى العاشرة والنصف صباحا، ليتوجه مباشرة إلى "فيلا الزمالك" ليمارس فيها مهام عمله والتى تنحصر فى مقابلة السفراء والوزراء والرد على أسئلة الإعلاميين (انضم إلى تلك المهام مؤخرا مسئولية متابعة انتخابات اليونسكو)، لينهى عمله فى حوالى الساعة الثانية والنصف عصرا، ليتوجه مرة أخرى لقصره لتناول الغذاء والنوم بعده قيلولة تمتد لساعتين، وتعتبر فترة قيلولة الوزير أمرا مقدسا بالنسبة له، ويستيقظ بعد قيلولته ليتوجه مباشرة إلى مرسمه ويقضى فيه طوال ساعات الليل يرسم ويبدع.. وهو ما جعل فاروق حسنى يعبر عن ضيقه بالاستعدادات لليونسكو بسبب عدم قيامه بالرسم حتى للوحة واحدة منذ ما يزيد على الخمسة أشهر متواصلة.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة