لاشك أن جولة وزير الخارجية الإسرائيلى أفيجدور ليبرمان الأفريقية الأخيرة التى ضمت خمس دول بينهم ثلاثة من دول حوض النيل "إثيوبيا وكينيا وأوغندا" جاءت لتطرح تساؤلات عديدة حول طبيعة نوايا ومقاصد الدبلوماسية الإسرائيلية خلال المرحلة المقبلة إزاء مصر، فمن الواضح أن هذه الزيارة تطرح نفسها بقوة، ولعل الاقتراب الإسرائيلى من دول حوض النيل يضع علامة استفهام كبيرة خاصة مع تصاعد الأزمة الحالية بين مصر وبعض دول حوض النيل حول أنصبة المياه الخاصة بكل طرف، ورغبة عدد من هذه الدول فى أقامة مشاريع مائية، الأمر الذى حدا بالخبراء إلى اعتبار جولة ليبرمان محاولة للتحريض المائى ضد مصر.
المتابع لما تكتبه الصحافة الإسرائيلية والعالمية عن جولة ليبرمان الأفريقية سيكتشف أن غالبيتها تسير فى اتجاه واحد، وهو أن هذه الجولة تمثل تهديداً خطيراً لمستقبل مصر، وتمهيداً لحرب المياه فى المنطقة، مدللين على ذلك بزيارته لأثيوبيا وكينيا وأوغندا، لأنهم يشكلون دول منبع النيل، بما يعنى أن هناك نية إسرائيلية مبيته على أمر ما، هذا الأمر كشفت بعض ملامحه صحيفة لوفيجاور الفرنسية بقولها إن ليبرمان ضغط خلال جولته على إثيوبيا لبناء سدود على نهر النيل، خاصة وأن 80% من المياه التى تجرى فى مصر تأتى من النيل الأزرق الذى ينبع من إثيوبيا، بالإضافة إلى توقيعه على عدد من الاتفاقات الاقتصادية والزراعية مع الدول التى زارها بما يمكن أن نطلق عليه وصف "إغراءات إسرائيلية تتجاوز حدود المنافسة الدبلوماسية مع مصر" .
قد يقول البعض وكيف لنا أن نصف تحركات إسرائيل فى أفريقيا بأنها بالأساس موجهة ضد مصر، وللرد على تلك الأقاويل نعود بذاكرتنا للماضى، فإسرائيل ومنذ تأسيسها تحاول الحصول على مياه النيل، وقد سبق أن طرحت عام 1974 فكرة إعادة القدس المحتلة إلى الفلسطينيين، مقابل نقل 840 مليون متر مكعب من مياه النيل سنوياً إلى إسرائيل، وهى الكمية التى تكفى لتغطى احتياجات إسرائيل من المياه، غير أن هذا المشروع اصطدم وقتها برفض مصرى ومعارضة من إثيوبيا والسودان، وهو ما يدفع الإسرائيليين منذ ذلك التاريخ إلى ولوج الأبواب الخلفية للتأثير على قرارات هذه الدول الخاصة بمياه النيل.
إسرائيل فى سبيل تحقيق أهدافها وضعت لنفسها استراتيجية للتحرك فى دول الحوض، مبنية على عدة محاور، منها التعاون العسكرى الوطيد، وهو ما يظهر من التدخل الإسرائيلى فى الشئون الداخلية لهذه الدول، بتدعيم بعض الميليشيات المسلحة المتصارعة على الحكم، مثلما حدث فى رواندا، وتحريض دول منابع النيل على المطالبة بنصيب أكبر من مياه النيل، كأسلوب ضغط على مصر، وبموازاة الحضور الإسرائيلى فى مجالات الرى والزراعة، تسعى إلى تطوير علاقاتها التجارية والاقتصادية مع دول المنطقة.
وللأسف الشديد حققت إسرائيل نجاحات هامة فى تعاونها العسكرى مع دول حوض النيل فى ظل غياب تام من جانبنا، فإسرائيل نجحت فى التوقيع عام 1992 على اتفاقات تعاون مع إريتريا فى المجال العسكرى، كما اهتمت تل أبيب بالاتصال العسكرى بالكونغو "زائير سابقا"، التى سبق أن وقعت اتفاقاً معها منذ 1983 يشمل الإمدادات والتدريبات العسكرية والأمنية على حد سواء. وفى العام الحالى قدمت إسرائيل إلى الكونغو الديمقراطية ورواندا، وهما من دول المنبع دراسات تفصيلية لبناء ثلاثة سدود كجزء من برنامج متكامل تهدف إسرائيل من خلاله التمهيد لمجموعة كبيرة من المشروعات المائية فى هذه الدول، وخاصة رواندا، وكشف موقع القناة السابعة الإسرائيلية عن قيام شركات متخصصة فى مجال الاستشارات الهندسية والإنشاءات فى إسرائيل بتشجيع من الخارجية الإسرائيلية، بتقديم عروض للحكومة الإثيوبية يتضمن مقترحات للمساهمة فى القيام بمشروعات استثمارية سكنية على النيل.
كل ذلك يؤكد لنا أن تحركات إسرائيل فى دول حوض النيل تستهدف مصر بالدرجة الأولى، وهو ما ينبغى أن نواجهه بالفعل وليس بالكلام، فليس كافياً ترديد مقولة إن أمن مصر المائى خط أحمر لا يمكن لأحد أن يتجاوزه، ولكن يجب أن نحدد خطتنا لمواجهة مثل تلك التحركات، ولعلنا نذكر أنه فى القرن التاسع عشر وضعت حكومة محمد على باشا خطة طوارئ للتدخل عسكرياً ضد أى دولة يمكن أن تشكل أى خطر على تدفق مياه النيل إلى مصر، كما دعا الرئيس الراحل محمد أنور السادات خبراء مصر العسكريين لوضع خطة طوارئ عام 1979 عندما أعلنت إثيوبيا عن نواياها بإقامة سد لرى 90 ألف هكتار فى حوض النيل الأزرق، وهدد السادات وقتها بتدمير هذا السد، وعقد بالفعل اجتماعاً طارئاً لهيئة أركان الجيش المصرى لبحث هذه المسألة..
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة