تعجبت كثيرا وأنا أقرأ مقال الأستاذ محمود طرشوبى بعنوان (حزب الوسط وأوهام الإسلاميين الإصلاحيين) فى موقعكم المميز، لم أتخيل أن تصل الشماتة فى حزب الوسط ومؤسسيه إلى هذا الحد بعد رفض لجنة شئون الأحزاب الترخيص للحزب، ليت الأمر توقف عند هذا الحد بل وجدت الكاتب يقرر أصولا غريبة وكأنها بديهيات فيقول: (أما الأوهام، فقد غاب عن عدد من الإسلاميين الهدف والغاية من عمله ودعوته- أى الحزب - وهو أن الحركة الإسلامية حركة تغيير اجتماعى وليس حركة تغيير سياسى) ويضيف (وحينما يعتقد البعض أن الدولة قادرة على صنع المجتمع الرشيد، فإنه يتناقض وثوابت فكرة الإسلام التغيرية، لقد تركزت سياسة الرسول التغيرية على "الإصلاح المجتمعى) ويفجعنا وهو يكمل (إن العمل الحزبى فى البلاد التى يوجد بها تنازع على أصل المرجعية يمكن اعتباره أحد وسائل التبشير والدعوة إلى الإسلام ليس أكثر واللجوء إليها يخضع لاعتبارات شرعية ورمانية ومكانية أما اعتماده كهدف استراتيجى وخيار وحيد للعمل الإسلامى محكوم عليه بالفشل وقد رفض، صلى الله عليه وسلم، الملك والسلطان حينما عرض عليه زعماء قريش ذلك، لأنهم رفضوا الإسلام، رفضوا أن يشهدوا أن لا إله إلا الله).
يأتى مقال الكاتب تأكيدا لموجة حالية تجتاح بعض الإسلاميين لتبرير الإخفاق والتراجع الذى لا ينكره أحد فى أغلب مسارات العمل، ومحاولة البعض تسطيح الأمور بتأصيل شرعى غير سليم، فإذا حدث إخفاق فى المجال السياسى كمثال فيكون التبرير أننا دعاة ولسنا سياسين وإذا انتقد البعض تراجع الدور المجتمعى والدعوى إذا بالبعض يقول إن الدعوة ليست كل شىء وشمولية الإسلام تجعل المسئوليات علينا كثيرة فلا تحاسبونا على مجال واحد.
هناك تبرير لكل شىء حتى لا نصل لما يطلبه الكثير من العقلاء بضرورة التقويم ومراجعة الذات وإعادة التأمل فى آليات العمل والاستراتجيات التى تؤدى إلى نفس النتائج المكررة، فى النقاط التالية أعلق على ما قاله الكاتب:
أولا: مع اختلافى مع تجربة حزب الوسط، أرى أن الشماتة فى حزب الوسط ومحاولات مؤسسيه الدؤوب الحصول على رخصة للعمل الشرعى لا تليق أبدا بإسلاميين ولا غيرهم، وهذا الموقف يؤكد القناعة الموجودة عند الكثيرين أن هناك بعض الإسلاميين يرفضون أن يكون معهم أى لاعب آخر فى الساحة لأنهم يعتبرون أنفسهم الممثل الحصرى للمشروع الإسلامى الوسطى.
ثانيا: المشروع الإسلامى يا سيدى كما نفهمه مشروع متكامل فى ظل الاعتقاد بشمولية الإسلام، وإذا كانت الأمور فى أى زمان ومكان قد وصلت لحالة من الانسداد ولم تعد تجدى محاولات الإصلاح، فإن التغيير سيكون حتميا، سواء كان سياسيا أو مجتمعيا، وعندما يخرج البعض من الإسلاميين ويقول فى هذا الظرف نحن دعاة إصلاح وليس تغيير أو نحن دعاة تغيير اجتماعى فقط فإنه يسىء للمشروع ككل، لأنه من البديهى أن محاولات الإصلاح الفاشلة ما هى إلا ترقيع لعورات نظام يجثم على صدور الناس وهذه الاستراتيجية ترسخ وتساعد من تثبيت هذا النظام وطغيانه.
ثالثا: يتحدث الكاتب عن منهج الرسول فى التغيير ولا أدرى من أين أتى هذا الفهم الغريب لمنهج الرسول فى التغيير، إن سيرة الرسول ( ص ) تبرز بوضوح المرحلية فى بناء الدولة، لو كان النبى اعتمد على الإصلاح المجتمعى المزعوم بصورته الهلامية هذه ما قامت للإسلام دولة، مارس الرسول الدعوة الفردية التى جاءت بالمسلمين الأوائل مثل أبى بكر وعلى بن أبى طالب فى وقت ما، وجهر بالدعوة فى وقت آخر، واختار الحرب كخيار فى وقت آخر، واختار الحوار وإرسال الرسائل لملوك مثل المقوقس حاكم مصر فى وقت آخر، ولم يقض حياته كلها فى الإصلاح المجتمعى الذى يقوم على فكرة الانقسام الميتوزى وتكاثر أهل الحق على حساب أهل الباطل عبر دعوة الأفراد لتكوين القاعدة الصلبة، إن لى الحقائق ومحاولة توظيف السيرة النبوية لإصباغ تأصيل شرعى وقداسة على ممارسات ورؤى بعض الأفراد أو الحركات هو اجتراء على الإسلام نفسه.
رابعا: فى ردة صادمة عن الإيمان بالديمقراطية وآليات العمل السياسى عبر الأحزاب وفكرة التعددية - التى اعتبر أنها تطور فى الفكر الإنسانى بصفة عامة - يصدمنا الكاتب وهو يقول إن هدف الحزب يجب أن يكون التبشير بالإسلام والدعوة إليه بل يتعدى إلى ما هو أخطر من ذلك، ويقول إن العمل الحزبى والعمل السياسى بشكل عام ليس استراتجية بل هو تكتيك قد نتخلى عنه طبقا لاعتبارات مكانية أو زمانية، وهذه كارثة أن يكون هناك هذا الفهم عند بعض الإسلاميين تجاه الديمقراطية والعمل الحزبى والسياسى بشكل عام، وسأعذر عندها المتخوفين من وصول الإسلاميين للحكم عندما يقرأون مثل هذا الكلام، وفى ضربة استباقية خارج السياق تماما يقول إن الرسول رفض الحكم والسلطان ولا أدرى كيف أباح لنفسه المقارنة بين موقف الرسول مع مشركى قريش وبين موقف الإسلاميين مع مجتمع مسلم بالأساس فى خلط عجيب.
فى النهاية أود أن أؤكد أن رؤية الكاتب تعبر عن وجهة نظره فقط وليس عن كل المنتمين للمشروع الإسلامى الوسطى وأتمنى أن نتخلى عن تقديس رؤانا وتسفيه رؤى الآخرين وأن نتوقف عن الزج بفهمنا الشخصى للنصوص والسيرة النبوية وتقديس هذا الفهم الذى هو اجتهاد بشرى ورفعه إلى مرتبة النص نفسه.
مصطفى النجار يكتب: الممثلون الحصريون للمشروع الإسلامى وتأصيل الفشل
الأربعاء، 16 سبتمبر 2009 12:24 م