بسمه موسى

التربية على ثلاثة أنواع

الثلاثاء، 15 سبتمبر 2009 02:25 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كنت أتناقش مع شقيقتى ولديها ثلاثة أطفال عن التربية الحديثة ودور الآباء فى أن يخرج أبناؤهم إلى المجتمع كأعضاء فاعلين فى المجتمع، وذكرتنى بما ما كان يربينا عليه والدى رحمه الله عندما كنا صغارا فكان يقول: إن التربية على ثلاثة أنواع وهى التربية الجسمانية وتختص برعاية مستلزمات الجسد من ناحية التغذية والرياضة والنوم والاهتمام بالصحة، ثم التربية الإنسانية وتختص بالتعليم والثقافة والعمل وتبادل المعلومات وزيادة الخبرات، والأخيرة والأهم هى التربية الروحانية وهى العمل بالأحكام الإلهية كالصلاة والصوم والتمسك بمكارم الأخلاق كالأمانة والوفاء وغيرها.

وعندما ننظر قليلا إلى سنوات قليلة مضت نجد أن الحياة كانت تسير بشكل هادئ وجميل، وكانت مباهج الحياة المختلفة تغذى الأنواع الثلاثة من التربية. فالتربية الجسمانية كانت تحظى بنصيب كبير من الاهتمام فالوقت متسع للراحة والاسترخاء والتنزه فى الطرقات الهادئة والمتنزهات والجو الصحى والهواء العليل، وبرغم أن الأمراض كانت تنتشر وتشتد من حين لآخر فإن مناعة الجسم كانت قوية، لأن التغذية كانت سليمة فالفاكهة والخضروات واللحوم طبيعية ومليئة بالفيتامينات والمواد المضادة للجراثيم، وقوة الجسد كانت تعمل على مقاومة الأمراض.

أما التربية الإنسانية كالتعليم وتبادل المعلومات وزيادة الخبرات فإنها كانت موجودة أيضا ولو على نطاق أضيق من اليوم، لكن لم تكن ملوثة كما يحدث الآن ببعض المعلومات المضادة التى تحير الفكر وتخرب العلاقات الإنسانية الفردية والدولية، كما أن العمل فى جميع المجالات لم يكن يسلب الإنسان كل وقته ويهدره على حساب نفس الإنسان وحياته العائلية.
أما التربية الروحانية فإن استقرار حياة الفرد والعائلة والوقت المتسع للإنسان كان يعطى للإنسان الفرصة بفكر خالى من المشاحنات والأفكار المتضاربة، فكان يستطيع أن يناجى ربه بقلب خال وروح صافية وعندما تدخل المناسبات الدينية فإن شعورا عظيما كان يعم الناس بالفرح والبهجة والانبساط شعورا نفتقده فى يومنا هذا، وكان هذا الشعور يعم الناس من مختلف الديانات حتى ولو لم تكن المناسبة الدينية لهم. فأنا شخصيا أسعد بكل المناسبات الدينية وأشارك أصحابها بها.

أما الآن فنجد أن كل شىء قد تغير تغيرا جذريا واختلطت المفاهيم ولم يعد للإنسان القدرة على التحكم فى جوانب حياته المختلفة فقد بدأت تطورات الحياة السريعة جدا تجتذبه من كل صوب، فالجيل الذى عاش زمن الماضى الجميل والذى ذاق طعم السعادة الحقيقية فإنه بات يفتقدها بشدة، أما الجيل الحالى فإنه قد قنع بأن تلك هى السعادة لأنه لم يذق الطعم الأصلى للسعادة الحقيقية.

أما جوانب الإنسان المختلفة فقد تأثرت بالكلية بما يحدث من حوله فالتربية الجسمانية قد تغيرت والمفاهيم والأخلاقيات أيضا تغيرت بشكل أبشع ولم يعد للأسرة كيان مترابط، ناهيك عن الخروج الاضطرارى للأم للعمل لساعات طويلة لمجابهة سبل العيش وكذلك خروج الأب لمعظم الوقت ليس لمواجهة ظروف الحياة إنما لمواجهة متطلبات عصر سريع الحركة والدوران، كأنما أصبحت الحياة دوامة قاسية ولم يغرق فيها إلا الإنسان المسكين الذى ظل يبحث عن الأمان.

فالتعليم لم يتغير كثيرا بالرغم من الإضافات الكبيرة التى ظهرت كعلم الحاسوب مثلا، لكن الذى تغير هو الإنسان نفسه فالدروس الخصوصية قد زادت بشكل عجيب حتى بات الطالب يعتمد عليها أكثر من اعتماده على قدراته فى البحث وشرح المدرس بالمدرسة، وكأنما أصبح ذلك هو المسار الصحيح وهو طريق مسلم به.

أما التغذية الصحيحة فقد افتقدناها بشدة فالصناعة البشرية دخلت وتحكمت فى مصادر التغذية الطبيعية المختلفة، فأحجام الفاكهة والخضروات قد ازدادت بشكل ملحوظ لكنها فقدت كل طعم أو رائحة، فعندما كنت تشترى المانجو أو التفاح كان البيت لأيام تفوح منه رائحة الفواكه الزكية الطبيعية أما الطعم الرائع فلم ولن يكون له مثيل فى عالمنا هذا الذى فيه أصبحت الصناعة هى المصدر الأول للتغذية، وأصبحت الزراعة والطبيعة تخضع لقوانين الصناعة. أما عن الهواء فإن العادم قد حطم مناعة الجسم وأصبح ازدحام الشوارع يسبب الرعب للناس من كثرة الحوادث.

أما التربية الإنسانية فقد ظهرت طفرة علمية رائعة ومكثفة وتسير بخطى سريعة حتى بات الفرد يلهث حتى يستطيع متابعتها، وأصبح العالم كتابا مفتوحا على مصراعيه على شبكات الإنترنت لكل من يريد أن يتزود بالمعلومات والثقافات المختلفة عن أى بقعة فى الأرض، وأصبح الاتصال عبر هذه الشبكة العملاقة يقصر المسافات بين الإنسان وبين أفراد عائلته أو أصدقائه المنتشرين فى كافة أرجاء الأرض، وهذه موهبة وفضل عظيم ولكن بقدر هذه القيمة العظيمة فإن خطرا مخيفا يهدد كيان الفرد والأسرة والمجتمعات كلها وهو عدم التحكم والسيطرة الكاملة فى سرد المعلومات المختلفة، وبالتالى غير هذا الشبح المخيف أخلاقيات أولادنا وشبابنا الذى راح يتخفى ليتزود بتلك الأمراض الروحية والعقلية التى عصفت بالإنسانية عصفا لم يظهر له حل حتى الآن، والفضائيات لعبت دورا مماثلا لما فعلته شبكة الإنترنت.

أما التربية الروحية فقد شُلت فى كافة المجتمعات فالوقت مهدور بسبب البحث عن لقمة العيش فى بعض الأحيان وعن التخلى عن الصراع لأجل مسايرة العصر الحديث، وهو ما يسمى بثقافة الاستهلاك وتعنى على سبيل المثال إذا اشترينا تليفون محمول اليوم وظهر بعد عدة أيام تليفون أكثر تطورا فنسارع بشرائه حتى نكون مسايرين لتطورات الحياة، وهذا الحال محصور على فئة ليست بالقليلة من الأغنياء، وقس على ذلك من سيارات وحاسوب وغيرها. وأصبح الإنسان يتعبد للخالق عز وجل وفكره وقلبه إما مكبلا بالهموم لمواجهة متطلبات الأسرة أو بالمعلومات المتناحرة التى تغذى فكره أو بالأفكار التى تتصارع لمسايرة التقدم المذهل لمقتنيات الحياة.

فالمعايير المختلفة التى تربينا عليها والتى كانت تغذى جوانب حياة الإنسان المختلفة قد اختلت بالمرة فمن نلوم الآن؟ وهل هناك حل لذلك؟ وهل يمكن أن نتعايش بعيدا عن عالمنا الحالى؟ أسئلة أطرحها وأتمنى أن أجد الإجابة عليها.. وإلى مقال قادم.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة