حرص موقع "ذاكرة مصر المعاصرة" الإلكترونى على أن يضفى طابعا مميزا على المواد الأرشيفية والمعلومات التاريخية تتماشى مع أجواء شهر رمضان المعظم، فنجد نكهات شرقية وأجواء مصرية أصيلة ترويها لنا الصور والوثائق وقصاصات الأخبار.. أطرفها دعوة نابليون للمصريين للإفطار سويا.
فعندما دخل نابليون بجيوشه أرض مصر عام 1798 عمل على اجتذاب قلوب الأهالى والتودد إليهم بشتى الطرق، فكان يصدر المنشورات باللغة العربية مفتتحة بالآيات القرآنية يؤكد فيها على احترامه للدين الإسلامى والمسلمين والأقباط، وأنه حليف للسلطان ولا يقصد إلا محو سلطة المماليك وإنقاذ الأهالى من استبدادهم وظلمهم.
ولم يتردد نابليون لحظة فى مشاركة المسلمين فى أعيادهم ومواسمهم وكافة احتفالاتهم، ولكن المصريين لم ينجذبوا أبداً لنابليون وجنوده، وقاموا بثورة عارمة ضده استخدم فيها الجنود الفرنسيون كل أساليب القمع حتى هدأت الثورة. وبناء عليه قرر نابليون أن يوجه منشورات للشعب المصرى جاء فيه:
"بسم الله الرحمن الرحيم، من أمير الجيوش الفرنساوية خطاباً إلى كافة أهالى مصر الخاص والعام. نعلمكم أن بعض الناس الضالين العقول الخالين من المعرفة وإدراك العواقب، أوقعوا الفتنة والشرور بين القاطنين فى مصر، فأهلكهم الله بسبب فعلهم ونيتهم القبيحة، والبارى سبحانه وتعالى أمرنى بالشفقة والرحمة على العباد.
فامتثلت أمره وصرت رحيما بكم شفوقاً عليكم، ولكن حتى كان حصل عندى غيظ شديد وغم شديد بسبب تحريك الفتنة بينكم، ولأجل ذلك أبطلت الديوان الذى كنت قد رتبته لنظام البلد، والآن توجه خاطرنا إلى ترتيب الديوان كما كان، والعاقل يعرف أن ما فعلناه بتقدير الله تعالى وإرادته وقضائه، ومن يشك فى ذلك فهو أحمق وأعمى البصيرة.
واعلموا أيضا أن الله قدر فى الأول هلاك أعداء الإسلام وتكسير الصلبان على يدى، وقدر فى الأزل أنى أجىء من المغرب إلى أرض مصر لهلاك الذين ظلموا فيها، وإجراء الأمر الذى أمرت به، واعلموا أيضا أن القرآن العظيم صرح فى آيات كثيرة بوقوع الذى حصل، وأشار فى آيات أخرى إلى أمور تقع فى المستقبل، وكلام الله فى كتابه صدق وحق لا يتخلف، واعلموا أيضا أننى أقدر على إظهار ما فى نفس كل أحد منكم لأننى أعرف أحوال الشخص، وما انطوى عليه بمجرد ما أراه، وإن كنت لا أتكلم ولا أنطق بالذى عنده، ولكن يأتى وقت ويوم يظهر لكم بالمعاينة أن كل ما فعلته وحكمت به فهو حكم إلهى لا يرد".
ووزع منشور نابليون بونابرت على المصريين فى 16 رجب 1212هـ، وبالطبع لم يستجب المصريون لنابليون ومنشوراته، فعمل على التودد أكثر وأكثر، واستغل قرب الشهر الكريم من البدء، وأخذ يبالغ فى التقرب من المسلمين، وعندما حل موعد موكب الرؤية لاستطلاع هلال شهر رمضان انتهز نابليون الفرصة ليتقرب من المصريين بعد أن فشل فى اجتذابهم بالمنشورات، فأمر بالمبالغة فى الاحتفال وتفخيم الموكب وتزينه تملقا للمسلمين.
واشترك نابليون وجنوده فى الاحتفال وبدأ الموكب قبل يوم الاستطلاع بأسبوع وعرض حسن أغا محرم المحتسب أمر الموكب على نابليون فأقره عليه، وأمره أن يجعل الاحتفال كامل الأسباب، وفتح نابليون أبواب داره للعلماء والأعيان واحتفى بهم وبارك شهرهم المعظم، وكان يصغى كل يوم لآيات الذكر الكريم، وأمر المحتسب بالاحتفال بقدوم رمضان بإعداد وليمة عظيمة فى بيته دامت أربعة أيام دعا فى اليوم الأول العلماء والفقهاء والمشايخ والجهادية، وفى اليوم الثانى والثالث التجار والأعيان، وفى اليوم الرابع أكابر الفرنسيين.
جاء يوم استطلاع هلال رمضان، فركب المحتسب مقدمة الموكب بكامل زينته يتقدمه مشايخ الطرق والحرف بطبولهم وزمورهم وشق شوارع القاهرة، حتى وصل دار نابليون فوقف نابليون يستقبل الصناع والمشايخ وكافة فئات المجتمع، ويهنئهم بحلول شهر رمضان، ثم سار الموكب بعد الغروب إلى بيت القاضى فى بين القصرين، وهناك تثبت رؤية هلال رمضان فانطلق الموكب بالمشاعل والطبول والنقاقير ينادى بين الناس بالصوم، ووجه نابليون الدعوات إلى المصريين للفطور والاحتفال، وأكل ما لذَّ وطاب لعله يرضى عن نابليون وجنوده.
جدير بالذكر أن "ذاكرة مصر المعاصرة" هى مكتبة رقمية على شبكة الإنترنت توثق لتاريخ مصر فى القرنين التاسع عشر والعشرين من خلال الصور والوثائق والطوابع والعملات والصحف والتسجيلات الصوتية والفيديو والدراسات التاريخية التى كتبت خصيصًا للذاكرة، وغيرها من المواد النادرة الخاصة بالحقبة التاريخية التى يشملها المشروع، والتى لا تحويها أى مكتبة رقمية أخرى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة