انتقدت منظمة هيومان رايتس ووتش فى تقريرها الأخير السلطات المصرية بسبب تعاملها مع المتسللين الأفارقة، وطالب التقرير النظام المصرى بوضع حد على الفور لأعمال القتل غير القانونى بحق المهاجرين وملتمسى اللجوء السياسى بالقرب من الحدود مع إسرائيل فى سيناء، كما رفض التقرير سياسة الإعادة القسرية الإسرائيلية إلى مصر بحق بعض من ينجحون فى العبور دون تقييم طلبات اللجوء، وهو أيضاً خرق للقانون الدولى.
وأضافت المنظمة فى تقرير لها أمس، أن حرس الحدود المصريين أطلقوا النار على أربعة مهاجرين وأسقطوهم قتلى فى 9 سبتمبر 2009، مما رفع عدد القتلى إلى 12 شخصاً على الأقل منذ مايو أثناء محاولة العبور إلى إسرائيل.
وصرح اللواء محمد شوشة، محافظ شمال سيناء، بعد وقائع القتل الأخيرة، مبرراً سياسة إطلاق النار على المهاجرين معتبراً إياها "ضرورية"، ووقائع القتل الأخيرة تأتى قبل أيام من المحادثات بين الرئيس المصرى حسنى مبارك ورئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتانياهو، فى 13 سبتمبر.
وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذى لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى هيومان رايتس ووتش: "لمصر كل الحق فى إدارة حدودها، لكن استخدام القوة المميتة بشكل منهجى ضد المهاجرين - وملتمسى لجوء محتملين - غير المسلحين، يعتبر انتهاكا جسيما للحق فى الحياة"، وتابع قائلاً: "هؤلاء الأشخاص لا يمثلون أى خطر على أرواح حرس الحدود أو غيرهم، ومحاولة عبور الحدود ليست جريمة عقوبتها القتل".
وقال اللواء محمد شوشة فى تصريحات صحفية فى 9 سبتمبر، "إنه ليس من الخطأ أن نطلق النار عليهم.. بل من الضرورى أن نطلق النار عليهم، لو قال للمتسلل " قف أنت ذاهب إلى أين" لن يسمع كلامه فلازم يطلق بالنار عليه. المساحة الحدودية أمتار فيجب على المتسلل أن يعلم أنه لو اقترب من الخط سنضرب عليه بالنار وإلا ستصبح عملية فوضوية".
وسبق أن وثقت هيومان رايتس ووتش بين يوليو 2007 وأكتوبر 2008، قتل حرس الحدود المصريين 33 مهاجراً على الأقل وألحقوا إصابات بآخرين على الحدود مع إسرائيل فى سيناء، أو بالقرب منها.
وكشفت المنظمة أن بعض المهاجرين المصابين ينجحون فى العبور إلى إسرائيل، ونقلت عن زائرى سجن "كتزيوت" بإسرائيل بانتظام حيث يتم أخد المهاجرين، قولهم إنهم فى العادة يرون خمسة مهاجرين أو أكثر تم علاجهم مؤخراً فى مستشفى سوروكا فى بئر السبع، من أعيرة نارية أطلقت عليهم بعد عبور الحدود مع مصر، والاتساق بين الإصابات والوفيات المبلغ عنها تشير إلى أن حرس الحدود المصريين يلجأون كثيراً إلى القوة المميتة فى جهودهم من أجل منع الأفراد من عبور الحدود.
وبموجب القانون الدولى، فإن المسئولين الأمنيين الذين يتولون إنفاذ القانون لا يحق لهم استخدام القوة المميتة إلا بالقدر المتناسب والضرورى للرد على تهديد للحياة، ولا يوجد دليل على أن حرس الحدود المصريين استخدموا القوة المميتة من أجل حماية أرواحهم أو أرواح غيرهم، ومبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية تنص على أن على مسئولى إنفاذ القانون "بقدر الإمكان، اللجوء لوسائل غير عنيفة قبل اللجوء لاستخدام القوة"، ولا تستخدم القوة "إلا إذا تبين عدم فعالية السبل الأخرى". وحين يكون لا مفر هنالك من استخدام القوة، فعلى المسئولين عن إنفاذ القانون "ممارسة ضبط النفس فى هذا الاستخدام وأن يتصرفوا بشكل متناسب مع جدية الجرم الواقع".
وأقرت المنظمة بأن الوضع الأمنى فى سيناء معقد وأن الحكومة لديها بواعث قلق أمنية مشروعة، ففى 3 أغسطس أطلق مهربون النار على مصرى من حرس الحدود فى تبادل لإطلاق النار، إلا أن هذه البواعث الأمنية لا تبرر إطلاق النار على مهاجرين ولاجئين عُزل على كل نقاط الحدود على امتداد حدود سيناء البالغ طولها 200 كيلومتر.
كما انتقدت المنظمة سياسة الإعادة القسرية الإسرائيلية إلى مصر، فى خرق لقانون اللاجئين الدولى، إذ تعيد إسرائيل بعض المهاجرين الذين نجحوا فى عبور الحدود ويتم القبض عليهم بالقرب من الحدود على يد القوات الإسرائيلية، دون منحهم فرصة لتقديم طلب اللجوء.
ونشرت المنظمة فى تقريرها شهادة لجندى احتياطى إسرائيلى أمام محكمة إسرائيلية فى 13 يونيو الماضى، قال فيها إن وحدته قبضت بالقرب من الحدود مع مصر على مجموعة من 10 مهاجرين وملتمسى لجوء قالوا إنهم من إريتريا، وأمرهم قائدهم بإعادتهم إلى مصر "إذا لم يكن من بينهم أشخاص من دارفور".
وأضاف الجندى: "حين فهم هؤلاء الأفراد أننا على وشك إعادتهم إلى الشرطة المصرية ، بدأوا فى البكاء والاستجداء، لم نفهم اللغة التى يتكلمونها، لكن كان من الواضح أنهم خائفون للغاية، تجاهلنا توسلاتهم ونقلناهم إلى رجال الشرطة المصريين الذين تجمعوا على الجانب الآخر من السور".
وأشارت المنظمة إلى أن الإرتريين الذين يشكلون قطاعاً كبيراً من المهاجرين واللاجئين الأفارقة ممن يعبرون من سيناء، عرضة لخطر داهم إذا أعيدوا إلى إرتريا من إسرائيل أو مصر، وقد أوصت المفوضية السامية بأن تمتنع الدول المضيفة عن الإعادة القسرية إلى إرتريا لمن يرفض طلبهم باللجوء، لأن من المرجح أن جميع العائدين إلى إرتريا سيتعرضون للاحتجاز والتعذيب، وتحتجز إرتريا بشكل منهجى الأفراد الذين يقبض عليهم فى محاولة الفرار من البلاد وتصدر "أمراً بالقتل رمياً بالرصاص" بحق كل من يعبر الحدود دون تصريح، كما يواجه المهاجرون واللاجئون الذين يُعادون قسراً إلى مصر الاعتقال والاحتجاز التعسفى، ومحاكمات غير عادلة أمام المحاكم العسكرية، ثم الترحيل القسرى دون فرصة لتقديم طلبات لجوء.
وتعتقل السلطات المصرية أعداداً متزايدة من اللاجئين والمهاجرين فى محاولتهم عبور الحدود، أو حين يعادون من إسرائيل، وتنسب إليهم الاتهام بالدخول غير المشروع إلى البلاد، واعتقلت قوات الأمن المصرية 85 مهاجراً ولاجئاً بين يناير ومايو، لكن العدد قفز إلى 144 شخصاً فى يونيو، ثم أصبح 169 فى يوليو، وتحتجز السلطات المصرية اللاجئين والمهاجرين فى مراكز احتجاز فى أسوان والوادى الجديد والبحر الأحمر وشمال سيناء، ولا تسمح للمفوضية السامية لشئون اللاجئين بمقابلتهم، ثم يُحاكمون فى محاكم عسكرية لا تفى بالمعايير الدولية للمحاكمة العادلة.
وبموجب القانون الدولى لحقوق الإنسان وقانون اللاجئين، فإن على إسرائيل ومصر التزاما بتقييم احتياجات الحماية الخاصة بالمهاجرين وملتمسى اللجوء على أراضى الدولة، بما فى ذلك الأفراد الذين تقبض عليهم قوات الأمن. وعلى الدولتين الامتناع عن إعادة المهاجرين واللاجئين إلى دولة قد يواجهون فيها خطر التعذيب أو الاضطهاد أو المعاملة السيئة.
وطالبت المنظمة الحكومة المصرية، بالسماح للمفوضية السامية لشئون اللاجئين بمقابلة جميع ملتمسى اللجوء المحتجزين، ومنهم من لم يسجلوا أنفسهم بعد لدى المفوضية، ممن يزعمون بحاجتهم إلى الحماية الدولية. بموجب شروط مذكرة تفاهم عام 1954، فقد فوضت مصر جميع مسئولياتها عن تحديد وضع اللاجئين للمفوضية السامية. وبموجب هذه الشروط، على المسئولين المصريين ضمان قدرة المفوضية على مقابلة جميع المهاجرين المحتجزين لمنحهم فرصة لتقديم طلبات اللجوء. وبعد إتمام هذه العملية فقط، يمكن لمصر النظر فى ترحيل من تسقط عنه مظلة حماية اللاجئين الدولية والقانون الدولى لحقوق الإنسان.
"رايتس ووتش": مصر تخالف القانون الدولى فى تعاملها مع المتسللين واللاجئين.. والوضع الأمنى فى سيناء يثير القلق
الجمعة، 11 سبتمبر 2009 07:39 م